خمسة أسباب تُنبىء بمواكبة اللّغة العربيّة للقرن الـ٢١!
اللّغة العربيّة ستواكب القرن الواحد والعشرين. هذا ما يمكنني استنتاجه من أصداء مؤتمرنا "آفاق مستقبليّة في تعليم العربيّة وتعلّمها"، الّذي نظّمناه في 31 أيّار/مايو ٢٠٢١.
والمؤشّرات الخمس التّالية تجعلني أرجّح ذلك:
1 - الاهتمام الزّائد، لدى الجمهور، بتحسين موقع اللّغة العربيّة وتحديث طرق تعليمها وتعلّمها.
مثلًا، بالرّغم من أنّ المؤتمر كان افتراضيًّا، فقد زار منصّته الرّئيسة ما يفوق ألْفَي مشاهد من ثمان عشرة دولة. وهذه الأرقام تعدّ استثنائيّة بالنّسبة إلى حدث افتراضيّ. هذا عدا عن التّفاعل الحيّ والنّقاشات الغنيّة الّتي أثارها المشاركون على هامش المؤتمر:
2 - هناك اتّجاه مستقبليّ لتوظيف الذّكاء الاصطناعيّ في مجال التّربية والتّعليم، وذلك بهدف شخصنة عمليّة التّعليم واستعمال البيانات بشكل أكثر فعاليّة.
في الجلسةِ الأولى للمؤتمر، عرضتُ بمشاركة نظيري الأستاذ "نافذ دقّاق" في "مؤسّسة الملكة رانيا للتّعليم والتّنمية"، النّتائج الإيجابيّة لهذه الممارسات عند تطبيقها في صفوف اللّغة العربيّة تحديدًا، بناءً على دراسةٍ نفّذناها.
إليكم نموذجًا عن بعض نتائج الدّراسة الّتي عُرِضت في الجلسة:
يُظهر تحليل مشاعر التّلاميذ (Sentiment Analysis) خلال فترة الحجر الصّحّيّ - جائحة كورونا ـ بيانات مثيرة للاهتمام! إذ عكست كتابات التّلاميذ خلال هذه الفترة مشاعر سلبيّة، وذلك تزامنًا مع فترة حظر التّجوّل في آذار/مارس ٢٠٢١، وهذا المؤشّر يُظهر كيف أثّرت الجائحة في الصّحّة العامّة للتّلاميذ.
3 - تتضاعف الجهود لإعداد معلّمين مؤهّلين لتنشئة جيل ملمّ بمهارات المستقبل.
هذه المهارات لا تقتصر على المهارات اللّغويّة والعلميّة البحتة، بل أيضًا المهارات الحياتيّة المتنوّعة من تحليل ونقد وإبداع، ومهارات تقنيّة في استعمال وسائل التّكنولوجيا وتطويعها في عمليّة التّعلّم. هذا ما ناقشته الجلسة الثّانية في المؤتمر: "من هو معلّم اليوم؟ ومن هو تلميذ المستقبل؟"، وذلك بمشاركة عميدة كلّيّة التّربية في جامعة زايد، د. "رنا تميم"، وخبيرة المناهج الرّقميّة في "كم كلمة"، د. "سمر أسّو"، ومؤسّس منصّة "لَعِب"، د. "محمود ناتوت"، والإعلاميّة "مايا مجذوب".
4 - عمليّة تكيّف اللّغة العربيّة مع متغيّرات العصر بدأت بالفعل.
السّؤال الّذي كثُر طرحه في الأعوام الفائتة مع بروز تقنيّات التّعليم الإلكترونيّ هو: "هل ستتمكّن اللّغة العربيّة من التّأقلم مع التّغيّرات الطّارئة؟" اليوم، تُرجّح استراتيجيّات أقسام اللّغة العربيّة في عدد من أبرز شبكات المدارس في الإمارات العربيّة المتّحدة أنّ هذا الأمر قد بدأ بالفعل، حتّى في وقت سابقٍ لجائحة كورونا. لكنّ هذه الأخيرة، سرّعت عمليّة إدخال تغييرات جوهريّة في أقسام اللّغة العربيّة في المدارس، وأوجدت استراتيجيّات أكثر تلائمًا مع متطلّبات اليوم.
وقد عرضت الجلسة الثّالثة من المؤتمر نماذج عن هذه الاستراتيجيّات، لا سيّما تلك المعتمدة في أقسام اللّغة العربيّة في شبكات "جيمس للتّعليم GEMS Education" و"مدارس الإمارات الوطنيّة" و"تعليم Taaleem" و"أكاديميّات الدّار". ومن أبرز ما تمّ التّطرّق إليه، أهمّيّة البحث عن موارد تفاعليّة ومعاصرة باللّغة العربيّة، إضافةً إلى استعمال تكنولوجيا التّعليم بفعاليّة وجدّيّة.
5 - تحديث طرائق تعليم العربيّة وتعلّمها لم يعد فكرةً رهن التّنفيذ، ولا حبرًا على ورق.
نشهد اليوم حلولًا إبداعيّة متداولة باللّغة العربيّة. ومن هذه الحلول، التّطبيق الهاتفيّ للصّوتيّات باللّغة العربيّة، الّذي سنُطلقه بالشّراكة مع "مؤسّسة الفطيم للتّعليم". يمكّن هذا التّطبيق المتعلّمين الصّغار من عمر ٣ سنوات إلى ٦ سنوات من تنمية مهارتَي القراءة الجهريّة والتّحدّث باللّغة العربيّة، وذلك بطريقة تفاعليّة إبداعيّة ممتعة. وقد شاركتُ، إلى جانب القائمة بأعمال المدير العامّ في "مؤسّسة الفطيم للتّعليم" د. "فرح سرّاج"، في عرض معلومات مشوّقة عن هذا التّطبيق خلال الجلسة الختاميّة للمؤتمر.
في ضوء هذه المعطيات الخمسة، أنا متفائلة أنّ للّغة العربيّة مكانة مميّزة بين لغات المستقبل. فإنّ قدرة هذه اللّغة على الاستمرار، تمامًا كالإنسان، مرهونة بالتّكيّف مع المتغيّرات من حولها. وأنتم، ما رأيكم؟