التّعليم الإلكترونيّ: النّصف الممتلئ من الكوب!
"الصّحّة أوّلًا"، شعار رافقنا طَوال العامين الماضيين وحملنا على تغيير سريع ومفاجئ في النّظام التّعليميّ. لم نكن، نحن الأهالي، جاهزين لهذا التّغيير، وكذلك أطفالنا ومعلّموهم وإدارات مدارسهم.
وحين اعتقدنا أنّ الأمور ستعود إلى ما كانت عليه، خاطبتُ ولدي متذمّرة: "ستتعيّن عليّ العودة إلى الاستيقاظ باكرًا، ومتابعة لوجستيّات نقلك من المدرسة وإليها، وستعود إلى نسيان كتبك في المنزل أحيانًا".
طبعًا لم يخطر في بالي حينها أنّ الأمور ستتغيّر من جديد، وسيرافقنا الشّعار لعام دراسيّ ثالث يُعتمد فيه التّعليم عن بعد. لكنّني أجد أن النّظرة إلى التّعليم عن بعد سلبيّة جدًّا، وتغضّ الطّرف عن النّصف الممتلئ من الكوب. ماذا لو عرضنا معًا بعض هذه الإيجابيّات؟
1 - توثيق الدّروس وأرشفتها بشكل منظّم:
كم مرّة كان ينسى ولدي كُرّاسه في المدرسة ويتعذّر عليه إنجاز فرضه؟ لكن في التّعليم الإلكترونيّ، جميع الدّروس والفروض إلكترونيّة ومُرْشَفة تلقائيًّا، ما يسمح بالرّجوع إليها متى دعت الحاجة. في أوقات الاختبارات، لم يعد هناك داع لجمع كمّ من الكتب وأوراق المراجعة، فكلّ المعلومات موثّقة ومُتاحة لنا بكبسة زرّ!
2- تواصل أكثر فعاليّة مع المدرسة من ذي قبل:
في بداية كلّ عام دراسيّ، كنتُ أستلم من المدرسة ورقة تسمّى "جدول لقاء الأهالي" لكي أتابع مع كلّ معلّم/ـة أداء ولدي في الموادّ. لطالما استدعى هذا الأمر جهدًا لوجستيًّا، لا سيّما للأمّهات العاملات مثلي. فعلى سبيل المثال، كان عليّ الاستئذان من عملي، وتأكيد الموعد مع المدرسة، ثمّ الانتقال من المدرسة وإليها لموعد لا يتعدّى النّصف ساعة. أمّا اليوم، من خلال التّعليم الإلكترونيّ، فصار بإمكان الأهل والتّلاميذ على حدّ سواء التّواصل بشكل أسرع وأكثر فعاليّة من ذي قبل مع المعلّمين والمسؤولين في المدرسة.
تقييم التّلاميذ بشفافيّة أكبر من السّابق:
ممّن أعرفهم من المعلّمين، أُدرك مدى حرصهم على تقييم التّلاميذ بشكل عادل وموضوعيّ، وبخاصّة في الموادّ الأدبيّة والعلوم الاجتماعيّة. أمّا من خلال التّعليم عن بعد، فاعتمدت إدارات المدارس منصّات تعليميّة متخصّصة، مثل "كم كلمة"، تؤمّن للمعلّمين معايير أداء وأدوات تصحيح مساعدة، تسمح بتقييم التّلاميذ بشفافيّة أكبر من السّابق وتوحيد المعايير المعتمدة في المدرسة بين مختلف المعلّمين. هذا الأمر مريح لجميع الأطراف في المعادلة، من التّلاميذ وأهاليهم والمعلّمين وإدارة المدرسة!
إمداد التّلاميذ بمهارات القرن الـ٢١:
منذ حوالى أربعة أعوام، اشتريت جهاز حاسوب لولدي، وكنت أشجّعه ليتمرّن على ما يتعلّمه في المدرسة ضمن حصّة مادّة الحاسوب. وهدفي الأساس كان تعليمه الطّباعة واستعمال البرامج الأساس مثل "مايكروسوفت"، لكنّ ذلك لم يحصل! ومع الانتقال القسريّ إلى التّعليم عن بعد، بات من المحتّم على ولدي تعلّم هذه المهارات ومهارات التّواصل والمهارات التّقنيّة وغيرها من مهارات القرن الواحد والعشرين على تنوّعها.
ختامًا، للتّعليم عن بعد إيجابيّاته وسلبيّاته، ككلّ الأمور من حولنا.
لكنّنا اليوم نقف لنتساءل: "هل يتحمّل التّلاميذ والمعلّمون والأهالي وإدارات المدارس عامًا إضافيًّا من التّعليم عن بعد؟"
والإجابة هي أنّه بحكم الظّروف الّتي فرضتها جائحة كورونا عالميًّا، ليس لدينا خيار في ذلك. لكن بالطّبع لدينا الخيار برؤية النّصف الممتلئ من الكوب، والتّركيز على الإيجابيّات المتأتّية من التّعليم عن بعد!