عن النّصوص الّتي لن يقرأها أطفالنا
يقول "جبران"، في نثريّته الشّهيرة، ناصحًا الأهالي عند تربية أبنائهم: "وإن لكم أن تجاهدوا لكي تصيروا مثلهم، ولكنّكم عبثًا تحاولون أن تجعلوهم مثلكم، لأنّ الحياة لا ترجع إلى الوراء".
ولهذا المنطق نفسه، لا يقرأ أطفالنا القصص الّتي تبدأ بـ"كان يا مكان في قديم الزّمان" إلّا إذا أُلزِموا بها. وهم لن يشعروا بأيّ معنى لصورة الجدّة الّتي تحوك الصّوف وتقصّ الحكايات على أحفادها، لأنّهم لا ينتمون إلى ذاك الزّمان.
أمّا نحن فتحيي فينا صورة الجدّة الّتي تقصّ الحكايات حنينًا إلى أنفسنا، لذلك نحن منحازون في اعتقادنا أنّ هذه القصص القديمة هي الاختيار الأفضل لأولادنا. لكنّ قصص جدّتي، نظرًا لأهمّيّتها، لا تشمل ما يربط الطّفل بما يحيطه من مستجدّات. فهي قصص يوجد فيها حنطور بدلًا من الطّائرة، وبرقيّة ورقيّة تصل بعد شهور بدلًا من الدّردشة الحيّة عبر الإنترنت، وسيّدة منزل بدلًا من الأمّ العاملة، وقس على ذلك. فكيف نتوقّع أن تلفت هذه القصص نظر أبنائنا؟
نحن الأهل، كمن يبحث عن إبرة في كومة من القشّ، إذ نريد أن ننقل لأبنائنا القيم الرّاسخة في القصص القديمة، مثل المحبّة والوفاء وصلة الرّحم والتّعاون وغيرها من القيم الإنسانيّة الجليلة. ولأنّنا في عصر جنونيّ، يمكن فيه لأيّ كان أن ينشر فكرة أو قصّة أو حتّى كتابًا، يجتاحنا الخوف حيال كلّ ما هو جديد. فبأيّ ناشر أو كاتب يمكننا أن نثق لننقل لأولادنا القيم السّليمة؟
إليكم هذه الإرشادات الّتي يمكن أن تساعدكم في إيجاد الإجابة:
أوّلًا، لا تخافوا من كلّ ما هو جديد!
لنفكّر في الاختراعات الّتي غيّرت تاريخ البشريّة، وعلى سبيل المثال السّيّارة. لو غلب الخوفُ النّاسَ في استعمال هذا الاختراع، لكنّا حتّى اليوم نقضي أيّامًا وشهورًا للتّنقّل من مكان إلى آخر. لقد اختلفت وسيلة التّنقّل من الحيوانات إلى السّيّارات، ولكنّ الهدف نفسه، وهو الوصول من مكانٍ إلى آخر، وبات يتحقّق بسهولة وسرعة أكبر من ذي قبل.
والأمر سيّان عندما نوفّر لأطفالنا موارد غنيّة بالقيم الإنسانيّة تكون مرتبطة بواقعهم، إذ سيصلهم المغزى من القصص، وتترسّخ في أذهانهم القيم المستخلصة منها.
ثانيًا، لا تُبالغوا في توقّعاتكم.
حين كنتُ بعمر طفلي، كنت أقرأ القصص البوليسيّة لـِ"أغاثا كريستي" و"نبيل فاروق"، وأستبدلها سرًّا مع زملائي في المدرسة خشية أن تراني المعلّمة. وبالمقابل، كنّا نقرأ نصوصًا "للمتنبّي" و"الجاحظ"، وندرس أشعارَ "أبي فراس الحمدانيّ" و"أبي نوّاس" في حصص اللّغة العربيّة.
لكن، لا يمكننا المبالغة في سقف توقّعاتنا من أطفالنا. فعدا عن اختلاف طرائق التّعليم وتطوّرها، تُتاح لأطفالنا خيارات عديدة للتّرفيه عن أنفسهم غير المطالعة. فاختيار أبنائنا للّعب على شاشة الهاتف الذّكيّ أو جهاز "البلاي ستايشن"، يعني أنّ متعتهم الأكبر هناك. فلنبحث إذًا عن موارد ممتعة وموجزة لنقدّمها إليهم كخيار موازٍ…
ثالثًا، استكشفوا الحلول المُتاحة…
في المنصّات التّعليميّة الحديثة موارد قيّمة تحاكي العصر يمكننا استعمالها. ففي "كم كلمة" مثلًا، هناك مئات الموارد الرّقميّة، تحديدًا المسموعة والمقروءة، الّتي تشحذ اهتمام الأطفال. فهذه الموارد متباينة من حيث الأحجام والأنواع والمحاور، ما يعني فعليًّا حتميّة إيجاد ما يلائم كلّ طفل حسب اهتماماته وقدراته.
هذه الموارد معدّة خصّيصًا لتشمل القيم الإنسانيّة السّامية والمهارات الحياتيّة واللّغويّة الضّروريّة. كما أنّه يتمّ تحديثها دوريًّا لكي تواكب مستجدّات العصر. وعلى سبيل المثال، مع انتشار جائحة كورونا، أُضيفَ المزيد من الموارد المتعلّقة بالسّلامة الجسديّة والنّفسيّة، لا سيّما ما يتعلّق بالفيروسات المعدية والحفاظ على النّظافة الشّخصيّة والسّلامة العامّة. إذًا، الحلول موجودة لكنّ الخيار بيدنا، فإمّا نلجأ إليها أو لا!
ختامًا، دعونا نتذكّر كأهالٍ، أنّ المطالعة هي أيضًا هواية، لا يمكن أن نفرضها على أبنائنا. لكن، إذا ما زوّدناهم بموارد مشوّقة ومعاصرة، فإنّ احتمالات استمتاعهم بما يقرأونه ستزيد حتمًا!