بعض "الحيل" اللّفظيّة في كتابة القصائد
نعلم أنّ كتابة القصائد ليست بالأمر السّهل حتّى على الشّعراء المحترفين. فالشّعر فنٌّ لا يتقنه الجميع، وهو لا يتوافق دائمًا مع "قواعد" الشّعر التّقليديّ كَكِتابة القصيدة وَفْق بحرٍ معيّن، ووَحدة القافية والرّويّ في أبياتها. لذلك سنسلّط الضّوء على بعض "الحيل" الّتي يلجأ إليها الشّعراء لتسهّل عليكم كتابةَ قصائدكم لأنّها ستضيف بعض الإيقاع واللّمسات السّحريّة الخفيّة في شطور القصائد.
تُعرف هذه "الحيل" بالمحسّنات البديعيّة، وهي تجمّل القصيدة بطريقة سلسة بحيث لا يعرف القارئ أو السّامع سبب استمتاعه بها حتّى في حال عدم توحيد القافية.
والمحسّنات البديعيّة نوعان: المحسّنات المعنويّة والمحسّنات اللّفظيّة. وبما أنّنا نتطرّق إلى موضوع الشّعر لا النّثر، سنكتفي بتفسير المحسّنات اللّفظيّة الّتي تُعنى بتحسين لفظ القصيدة وإلقائها. وهذه المحسّنات هي:
1 . الجناس:
هو تشابه كلمتين لفظًا واختلافهما معنًى. وهو نوعان: الجناس التّامّ، حيث تتوافق الحروف بشكلها وعددها وترتيبها؛ والجناس النّاقص، حيث تختلف الحروف بشكلها وعددها وترتيبها.
إليكم مثالٌ عن استعمال الشّاعر "اسماعيل صبري باشا" للجناس التّامّ:
"طَرَقْتُ البابَ حتّى كَلَّ مَتْني فَـلـمّـا كَـلَّ مَتْـنـي كَلَّمَتْـنـي"
ومثالٌ عن استعمال الجناس النّاقص في قول المعرّي:
"والحُسْنُ يَظْهَرُ فِي بَيْتَيْنِ رَوْنَقُهُ بَيْتٍ مِنَ الشِّعْرِ أَوْ بَيْتٍ مِنَ الشَّعَر"
2 . السّجع
هو توافق فواصل الجُمل في الحرف الأخير وما فوق. والأصل في السّجع أن يكون في النّثر لكنّه قد يأتي في البيوت الشّعريّة ليزيدَ القصيدةَ رونقًا، شرطَ أن يكون مستوفيًا الشّروط. كقول "الأعرابيّ":
"اللَّهُمَّ إنْ كنتَ قَد أبْليْتَ، فَإنَّكَ طَالَمَا قَدْ عَافَيْتَ"
3 . التّصريع
هو توافق عروض البيت الأوّل من القصيدة مع ضربه بالقافية. كقولِ "امرئ القيس":
"قِفا نَبْكِ مِنْ ذِكْرى حَبيبٍ وَمَنْزِلِ بِسِقطِ اللِّوى بَيْنَ الدَّخولِ فحَوْملِ"
4 . التّشطير:
هو اختلاف السّجع بحرفٍ واحدٍ في العروض والضّرب كقول "أبي تمّام":
"تَدْبيرُ مُعْتَصِمٍ: بِاللهِ مُنْتَقِمٍ لِلهِ مُرْتَغِبٍ في اللهِ مُرْتَقِبِ"
5 . التّصدير:
أو ما يُعرف بردِّ العجز على الصّدر، وهو ذكر لفظةٍ في الصّدر وتكرارها في العجز. كقولِ "الأقيشر الأسدي":
"تَمَتَّعْ منْ شَميمِ عِرارِ نَجْدٍ فما بعدَ العشيَّةِ منْ عِرارِ"
وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ الشّاعر يستعين بهذه "الحيل" لإظهار مشاعره والتّأثير في نفوس القرّاء أو السّامعين. ويُفضّل استعمال هذه المحسّنات بتواضعٍ فتكون قليلةً وتؤدّي الهدف الّذي يقصده الشّاعر، فإذا كَثُرت وبدت متكلّفة تفقد حُسنها وتأثيرها وتُبيّن عن ضعفٍ في أسلوبِ الكتابة.