نصائح جوهريّة في الكتابة الشّعريّة
هل هناك شعور أجمل من الشّعور بالطّيران؟ قد تسألون: كيف نطير في ظلّ الظّروف الرّاهنة وغالبيّتنا محجور؟ الجواب في "الشّعر".
للشّعر قوى خارقة، تحدّث عنها الكثير من المفكّرين والأدباء، إذ قال "كارل ساندبرغ": "الشّعر يوميّات حيوان بحريّ يعيش على البرّ، ويريد أن يطير في الهواء"، وتساءل "بابلو نيرودا" قائلًا: "ما هو الشّعر إن لم يساعد على الأحلام؟" وقال "غاستون باشلار"، وكأنّه يجيب عن سؤال "بابلو": "أن نقرأ الشّعر يعني أساسًا أن نمارس أحلام اليقظة"، وقد سبقه إلى ذلك "ابن رشد" حين عرّف التّخيّل بأنّه "عبارة عن استخدام خاصّ للّغة وتصوير أحد أركان الشّعر".
اقرأوا وأنتم في مكانكم ستطيرون إلى عالم لا مثيل له، أو اكتبوا لتحلّقوا ولتمنحوا قرّاء مؤلّفاتكم القدرة على التّحليق أيضًا.
هل بدا كلامي حالمًا؟
لكم كلّ الحقّ في الاعتقاد أنّ موهبة الكتابة على الرّغم من كونها هديّة لا مثيل لها، هي موهبة تتطلّب الكثير، فالشّعر فكرة وأسلوب ولغة ومخيّلة، ويؤيّد ذلك "فينسنت فان غوخ" حين قال: "الشِّعرُ يحيط بنا في كلّ مكان، لكن للأسف وضعه على الورق ليس بسهولة النّظر إليه". هذا، واعتبر "ابن خلدون" الشّعر مَلَكَة يمكن تنميتها من خلال الممارسة قائلًا: "وإنّما تحصل هذه الملكة بالممارسة والاعتياد والتّكرّر". ولكن كيف؟ إليكم بعض النّصائح الّتي تساعدكم في تنمية مهاراتكم في الكتابة الشّعريّة:
1 - اقرأوا اقرأوا اقرأوا!
كلّنا نتعلّم من خلال التّقليد في مراحل التّعلّم الأولى، لذا من المهمّ الاطّلاع على أعمال من سبقنا الكتابيّة لإغناء مخزوننا الفكريّ واللّغويّ من جهة، ولتعزيز متعة تذوّق الأدب من جهة أخرى. كم من كاتب استوحى أفكاره من أعمال فنّيّة سابقة؟ فلماذا نضيّع على أنفسنا هذا الكنز؟
2 - اكتبوا اكتبوا اكتبوا!
تطوُّر المواهب يأتي بالممارسة، ومن خلال التّعلّم من الخطأ. والاستمرار بالمحاولة مفتاح النّجاح، فلا تنسوا تعليق هذا المفتاح على خاصرتكم.
3 - حدّدوا موضوعكم.
من المهمّ أن تحدّدوا الموضوع الّذي ترغبون في الكتابة عنه. لماذا؟ لمساعدة ذهنكم في التّركيز وتفادي التّشتّت، وحفاظًا على وحدة موضوعكم.
4 - قوموا بعصف ذهنيّ قبل الشّروع في الكتابة.
ألا تقومون بتحمية جسمكم قبل ممارسة الرّياضة؟ كذلك الدّماغ عضلة تحتاج إلى تحمية قبل الكتابة. من جهة أخرى، أسألكم: هل لاحظتم يومًا أنّ الشّعور بالإلهام يُرافقه تدفّق للأفكار؟ لحظات الإلهام هذه هي لحظات في غاية الأهمّيّة، لذا دوّنوا كلّ ما يتبادر إلى ذهنكم من أفكار كي لا تضيّعوا أفكاركم. ما من طير يفوق الأفكار سرعة في الطّيران.
5 - اجعلوا عباراتكم فريدة وبعيدة عن الابتذال.
القرّاء أشخاص متعطّشون لكلّ جديد، فلا تخيّبوا آمالهم باستعمال عبارات مبتذلة. وكما يقول الشّاعر "نزار قبّاني": "الشّعر هو أن تأتي بغير المتوقّع".
6 - اجعلوا من أفكاركم لوحة يمكن للقارئ تخيّلها.
بمعنى آخر وظّفوا حواسّكم الخمسة في التّعبير عن أفكاركم وبخاصّة في الوصف. لماذا؟ لأنّ الوصف كلّما كان دقيقًا كلّما أثار مخيّلة القارئ وساعدكم في تجسيد أفكاركم. وكما يقول "بلوتارخ": "الرّسم شعر صامت، والشّعر رسم متكلّم".
7 - اطرحوا المواضيع المألوفة من زوايا جديدة.
لاحظوا عدد الشّعراء الّذين كتبوا عن العينيْن، وكان لكلّ منهم قصيدة ذات وقعٍ خاصّ مع العلم أنّ الموضوع واحد، فقال "غيلان ذو الرّمّة":
لهــا بشـــرة مثــــل الحـريـــر ومنـــطق
رقيــــق الحـــواشـــي لا هـراء ولا نــزر
وعيــنــــان قـــــال الله كونـــا فكــــانتــــا
فعولان بالألبــاب ما تفعل السّــحر
بينما قال الشّاعر "جرير بن عطيّة الكلبي اليربوعي التّميمي":
إنّ العيــون الّتـــي في طـرفــهــا حــــور
قتـلـــنـنـــا ثـمّ لـــم يحـــيــــين قتـــــلانا
يصرعن ذا اللّب حتّى لا حراك بــه
وهـنّ أضعف خــلــق الله إنســــانــــا
أمّا الشّاعر "سعيد عقل" فقال:
ألعــــيـنـــيـــــــــك تــــــــــــأنٍّ وخــــــطــــــــر
يــفــــرش الضّـــوء علـــى التّــلّ، القمر
ضـــاحكًـــا للغـصـــن، مـــرتــاحًــا إلى
ضــــفّــــة النّــــهر، رفيـــقًــــا بــالحـجر
عـــــــلّ عـــــيــنــيـــــــك إذا آنســـــــــتـــــــا
أثـــــرًا منـــــــــه عـــــــرى اللّيــــل خــــدر
مــــــــن تــــرى أنــــت إذا بحـــــت بمـــــا
خبّـــــــأت عيــنــــــاك مــن ســــرّ القدر
نســـــج أجفـــــانك من خيـــط السّهى
كــــــلّ جفـــــن ظـــــلّ دهــــرًا ينتـــــــظر
8 - اِحذروا القوافي!
القوافي سيف ذو حدّين، لا تقعوا في فخّها. قد يتحوّل بعض الكتّاب إلى أسرى في محاولتهم الالتزام بقافية معيّنة، بينما ذلك سيحوّل كتاباتهم إلى مجرّد كلام مُصطنع. فلا تكونوا من أسرى القوافي. يمكنكم الاستعانة ببعض الحيَل في كتابة القصائد من خلال العودة إلى هذه المقالة.
9 - راجعوا عملكم واستعينوا بآراء الآخرين.
ضعوا كتابتكم على مائدة التّذوّق كي تختبروا كيفيّة تفاعل القرّاء معها. ملاحظات القرّاء مهمّة للقيام بالتّعديلات اللّازمة أو التّمسّك بمبادئ تتّبعونها في التّأليف.
10 - اتركوا مسافة من الوقت بين التّأليف ومراجعة العمل.
عند العودة إلى عملكم بعد مدّة من الزّمن ستتمكّنون من تقييم عملكم بشكلٍ أوضح على عكس ما يحدث فور إنهاء الكتابة.