من خيبة أمل إلى بصيص أمل

 

رحلتي إلى عالم تكنولوجيا التّعليم

Siroun-Image-Blog.jpg
 

منذ حوالى عشرين عامًا، كنتُ أعلّم مادّة العلوم في مدرسة محلّيّة في بيروت. وها أنا اليوم أشرف على المنصّة الّتي شاركت بتأسيسها قبل بضعة أعوام، "كم كلمة"، حيث تلاقي تكنولوجيا التّعليم اللّغة العربيّة.

22528780_1616369925079995_6029599137295474649_o.jpg

  فما السّرّ وراء هذا التّحوّل؟
إليكم مراحل رحلتي الشّاقّة والمشوّقة إلى عالم تكنولوجيا التّعليم!


في التّسعينات، بدأت مسيرتي المهنيّة كمعلّمة، وكلّي شغف بالتّعليم. بذلت جهدًا كبيرًا لجعل صفوفي ممتعة وغير تقليديّة، وبالتّالي كان التّلاميذ يتفاعلون معي ويحبّون صفوفي. كانت بداية جيّدة ومكافِئة، ولم أعرف حينها ما تحمله الأيّام لي!

 
في حرب مائيّة مع أحد تلاميذي بمناسبة انتهاء العام الدّراسيّ.

في حرب مائيّة مع أحد تلاميذي بمناسبة انتهاء العام الدّراسيّ.

 

في أحد الأيّام، طُلب إليّ الإشراف على مجموعة من التّلاميذ لإنجاز مشروع تعليميّ بيئيّ. بالطّبع، سعدت جدًّا بمسؤوليّاتي الجديدة! في نهاية هذا المشروع، كان من المتوقّع عرض نتائجه عبر استعمال برنامج جديد وصعب بعض الشّيء، بحسب ما سمعت. لم أكن على اطّلاع بعالم الحاسوب والبرامج، وتساءلت بحذر: "ما هو الـ "Powerpoint"؟ وكيف أستعمله يا ترى؟"

في ذلك الوقت، لم أكن حتّى أمتلك جهاز حاسوب خاصّ بي. ولم يكن البحث عن كلّ ما يخطر في البال ممكنًا بكبسة زرّ عبر محرّك البحث "غوغل" كما الحال اليوم. لذا كان الملاذ الأوّل لطرح أسئلتي تلاميذي أنفسهم! هكذا بتنا شركاء في التّعلّم. فذهبنا إلى غرفة الحاسوب في المدرسة وبدأنا باستكشاف هذا البرنامج غير المألوف معًا، الذّي تبيّن أنّ اسمه "Powerpoint". لحسن الحظّ، وجدنا البرنامج على أجهزة حاسوب المدرسة! ولدقائق معدودة، كنت أحدّق مدهوشة في الشّاشة. لقد أسرتني قدرة البرنامج على عرض البيانات بشكل واضح، سلس، وجذّاب في الآن نفسه، عدا عن سهولة استعماله. "يا له من اكتشاف!"، قلت في سرّي بانبهار.

كان هذا الاكتشاف، بالنّسبة إليّ، بمثابة قنبلة العام الدّراسيّ، وحرصت بعدها على استعمال الـ"Powerpoint" في حصصي التّعليميّة لأنّه كان يضاعف من تفاعل التّلاميذ وحماستهم. وتدريجيًّا، بدأت باستكشاف المزيد من البرامج ووسائل التّكنولوجيا لاستعمالها في صفوفي. قرأت الكثير عن الـ "wikis"، وبحثت عن فيديوهات تعليميّة على الـ "Youtube" وشاركتها مع تلاميذي، وتعلّمت طريقة عرض البيانات على "Prezi" (سيبقى دائمًا في قائمتي المفضّلة)، كما تعرّفت إلى مختبرات العلوم الافتراضيّة، وقِس على ذلك. لقد بانَ أمامي أفقٌ جديدٌ وواسعٌ مع هذه التّقنيّات والبرامج!

 
75828_10150126240574465_7004888_n.jpg

وهل هناك أسرع من تناقل الأخبار في المدرسة؟

عرف زملائي المعلّمين عن الوصفة السّحريّة الّتي أستعملها لجذب انتباه تلاميذي، ومن ثمّ علِمت الإدارة بذلك، ووجدت نفسي رسميًّا مكلّفة كـ "منسّقة وسائل التّكنولوجيا" في المدرسة!

حين أعيد التّفكير في تلك الأيّام، أقدّر انفتاح الإدارة على فكرة استعمال التّكنولوجيا بدلًا من التّقوقع على وسائل التّعليم التّقليديّة. لقد لاقيت تشجيعًا ودعمًا كبيرين من الهيئتين الإداريّة والتّعليميّة. كنتُ أخطو خطواتي الأولى لأصبح المعلّمة الّتي يجب أن أكونها.

كنت متحمّسة جدًّا لمهمّتي الجديدة، ولمشاركة المعرفة مع زملائي بهدف جعل صفوفهم أكثر متعة وتفاعليّة. حينها، حاولت أن أساعد الجميع، وهذا ما حصل بالفعل! لكن، تعذّر عليّ إيجاد وسائل ذات قيمة تمكّن معلّمي اللّغة العربيّة من استعمالها.

ومع مرور الوقت، تزايد شعور الزّملاء ممّن يعلّمون اللّغة العربيّة بالإقصاء، في حين كنتُ أشعر بأنّني خذلتهم ولم أقدّم لهم الدّعم اللّازم. ملأني الغضب لأنّه لم يكن عادلًا أن يفوّت زملائي فرصة توظيف كلّ هذه الأدوات القيّمة، فقط لأنّها لا تتكامل مع اللّغة العربيّة! 

عندها، لجأت إلى صديقتي وزميلتي في المدرسة، "نسرين المكّوك"، الّتي كانت - وما زالت - لديها دائمًا الأجوبة الشّافية لكلّ ما قد يخطر في البال!

أمّا على المستوى المهنيّ، فقد كانت "نسرين" تدرّس العلوم الاجتماعيّة وحقوق الإنسان في المدرسة. وكانت غاضبة أيضًا، لأنّ الوسائل المتوفّرة ليست مُتاحة للجميع، ومصرّة مثلي على عدم الاستسلام لواقع الحال.

هذه "نسرين" وسط مجموعة من الكراسي الفارغة في قاعة اجتماعات.

هذه "نسرين" وسط مجموعة من الكراسي الفارغة في قاعة اجتماعات.

حوّلت "نسرين" غضبي العارم من خيبة أمل إلى بصيص أمل! فنقاشاتنا البنّاءة بلورت لدينا فكرة إنشاء ما قد يساعد معلّمي اللّغة العربيّة تحديدًا. ولشدّة حماستي، تركت عملي في المدرسة، واستثمرت الوقت والجهد والمال مع "نسرين" لتطوير ما قد يسهّل التّعليم على هذه الفئة المهمّشة من المعلّمين. استمعنا إلى أصدقائنا ومعارفنا من المعلّمين، لا سيّما معلّمي اللّغة العربيّة، لتحديد أبرز المشاكل الّتي تواجههم والوصول إلى أفضل الحلول الممكنة. كنّا نطمح إلى إنشاء ما سيوفّر عليهم ساعات من العمل من جهة، ويُمتّع تلاميذهم من جهة أخرى.

هنا، بدأتُ رحلتي إلى عالم تكنولوجيا التّعليم بعرض "powerpoint"، حيث لفتَني البرنامج لشدّة بساطته نظرًا لقدرته على إضفاء المتعة والوضوح إلى صفوفي. وهذا بالضّبط ما أردت تقديمه إلى معلّمي اللّغة االعربيّة في صفوفهم من خلال منصّة "كم كلمة". هذه الرّحلة الطّويلة هي نتيجة شغفي بالتّعليم، ودأبي على التّعلّم، وغضبي لعدم قدرتي على مساعدة زملائي.

أخيرًا، شاركتكم قصّتي إجابةً عن السّؤال: "ما السّرّ وراء هذا التّحوّل؟"

أمّا لو كان السّؤال "لمَ هذا التّحوّل؟"، لكنت أجبت ببساطة: "لأنّني أحبّ التّعلّم". هذا الشّغف بالتّعلّم هو جزء من طبيعتي، وأتمنّى لو كان بالإمكان نقله إلى الآخرين. وذلك بالضّبط ما أحاول تحقيقه من خلال "كم كلمة".

فلنكن شغوفين!

 

أدخِلوا بياناتكم للاشتراك في مدوّنتنا

Siroun Shamigian

Co-Founder and CEO

Previous
Previous

Love at First Click: A Short Story

Next
Next

أغاني عربيّة تُحيي أفضل ما كُتب من القصائد