الطُّموحُ سِرُّ النَّجاحِ

 
 
 
 

    يُحْكى أَنَّ أَسَدًا عاشَ عُمْرَهُ وَهوَ يَحْكُمُ غابَتَهُ المُتَواضِعَةَ بِحِكْمَةٍ وَعَدْلٍ وَمَسْؤوليَّة. 

ذاتَ يَوْم، مَرِضَ الأَسَدُ الحاكِمُ مَرَضًا شَديدًا وَظَنَّ أَنَّهُ لَنْ يَعيشَ طَويلًا. وَلأَنَّهُ حاكِمٌ عادِل، قَرَّرَ أَنْ يَقومَ بِاخْتِبارٍ ليَعْرِفَ أَيَّ أَسَدٍ يَسْتَحِقُّ أَنْ يَحْكُمَ الغابَةَ بَعْدَ مَماتِه. فَطَلَبَ إِلى مُساعِدِهِ القِرْدِ أَنْ يُعْلِمَ أُسودَ الغابَةِ كافَّةً بِحُضورِ الِاجْتِماعِ الطّارئِ مَساء. ثُمَّ قَصَدَ القِرْدُ كُلَّ أَسَد، مِنَ الأَرْبَعينَ أَسَدًا، عَلى حِدَة. وَلأَنَّ القِرْدَ لا يَعْرِفُ سَبَبَ هَذا الِاجْتِماع، فَقَدِ اعْتَذَرَتْ مَجْموعَةٌ كَبيرَةٌ عَنِ الحُضورِ لأَنَّ الجَوَّ في الغابَةِ كانَ مُتَقَلِّبًا جِدًّا وَبارِدًا لِدَرَجَةٍ لا تُحْتَمَل.

 

    مَرَّ الوَقْتُ بِبُطْءٍ شَديد، وَعِنْدَ حُلولِ اللَّيْلِ اجْتَمَعَتِ الأُسودُ مَعَ المَلِك، فَسَأَلَهُ أَسَدٌ مِنَ القَطيع: "سَيِّدي المَلِك، لِماذا اسْتَدْعَيْتَنا في هَذا اللَّيْلِ المُظْلِمِ وَالجَوِّ البارِدِ وَالسَّماءِ الَّتي قَدْ تُمْطِرُ في أَيِّ لَحْظَة؟"

زَأَرَ الأَسَدُ الحاكِمُ بِصَوْتٍ عالِ خافَتْ مِنْهُ الأُسودُ وَالطُّيورُ قَبْلَ أَنْ يَطْرَحَ سؤالَه: "مَنْ يُريدُ أَنْ يَكونَ حاكِمَ الغابَة؟"

 

    سادَ الصَّمْتُ وَراحَتِ الأُسودُ تَنْظُرُ إِلى بَعْضِها وَالدَّهْشَةُ تَعْلو وُجوهَها، فَأَرْدَفَ المَلِكُ قائِلًا: "مَنْ لا يَسْتَطيعُ تَحَمُّلَ هَذِهِ المَسْؤوليَّةِ يُمْكِنُهُ الاِنْسِحابُ الآن، وَمَنْ يَجِدُ نَفْسَهُ جاهِزًا للمَرْحَلَةِ المُقْبِلَةِ فَلْيَسْتَعِدَّ لأَنَّ الِاخْتِبارَ بَدَأَ مِنَ اللَّحْظَةِ الَّتي وَصَلَتْكُمْ فيها دَعْوَتي".

اِنْسَحَبَتْ مَجْموعَةٌ كَبيرَةٌ مِنَ الأُسودِ إِذْ لَمْ تَرْغَبْ في تَحَمُّلِ هَذِهِ المَسْؤوليَّةِ وَبَقيَ خَمْسَةَ عَشَرَ أَسَدًا للِاسْتِماعِ إِلى تَعْليماتِ المَلِك. فَسَأَلَ أَحَدُها: "ما هوَ المَطْلوبُ لِنَفوزَ وَنَحْصُلَ عَلى لَقَبِ الحاكِم؟"

رَدَّ المَلِك، وَهوَ يَزْأَرُ بِصَوْتٍ جَميلٍ وَهادئٍ عَكْسَ المَرَّةِ الأولى: "عَلى المَلِكِ الحاكِمِ أَنْ يَتَّصِفَ بِالحِكْمَةِ وَالصَّبْر، وَيَكونَ عادِلًا وَشُجاعًا، وَيَعْرِفَ كَيْفَ يَقودُ القَطيعَ إِلى بَرِّ النَّجاح. في الغابَةِ المُجاوِرَةِ أَسَدٌ حَكيمٌ يَمْلِكُ خاتَمًا بِلّوريًّا سِحْريًّا، وَمَنْ يَصِلُ إِلَيْهِ مُنَفِّذًا المَطْلوبَ سَيَحْصُلُ عَلى الخاتَم. لِذا، ساعِدي أَيَّتُها الأُسودُ مَنْ يَحْتاجُ إِلَيْكِ وَابْذُلي جُهْدًا لِتَحْمي غابَتَنا، واسْهَري اللَّياليَ فَهُنا لا مَكانَ للخُمول. ثابِري وَثِقي بِنَفْسِك، وابْذُلي جُهْدًا لِتَسْتَحِقّي الحُصولَ عَلى مَكانَتي. هَيّا، اِذْهَبي وافْعَلي ما طَلَبْتُهُ فَالوَقْتُ يُداهِمُك، مَعَكِ عَشْرَةُ أَيّامٍ قَبْلَ أَنْ أَخْتارَ الأَسَدَ الَّذي سَيَحْكُمُ مِنْ بَعْدي".

 

    مَرَّ اليَوْمُ الأَوَّلُ وَكُلٌّ مِنَ الأُسودِ مُجْتَهِدٌ وطامِحٌ للحُصولِ عَلى لَقَبِ الحاكِم. أَمّا في اليَوْمِ الثّاني وَالثّالِثِ وَالرّابِع، فَتَعِبَتْ خَمْسَةُ أُسودٍ وَلَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تُكْمِلَ الطَّريقَ مَعَ البَقيَّة، فَحَزِنَتْ لَكِنَّها تَقَبَّلَتْ فَشَلَها وَعَدَمَ قُدْرَتِها عَلى كَوْنِها قائِدَةَ الغابَة. وَخِلالَ الأَيّامِ الثَّلاثَةِ التّاليَة، هاجَمَتْ مَجْموعَةٌ مِنْ حَيَوانِ غَريرِ العَسَلِ الأُسودَ عَلى غَفْلَة، فاجْتَمَعَتِ الأُسودُ للتَّصدي لَها، وَللأَسَفِ الشَّديدِ اسْتَطاعَ هَذا العَدوُّ أَنْ يُصيبَ ثَلاثَةً مِنَ الأُسودِ بِإِصاباتٍ بالِغَة، وَفي أَثْناءِ القِتالِ هَرَبَتْ أَرْبَعَةُ أُسود.

 

    بَقيَتْ ثَلاثَةُ أُسود، فَأَكْمَلَتْ طَريقَها بِصَمْتٍ وَتَوَجُّس، ثُمَّ دَبَّ شُعورُ المَلَلِ في أَحَدِها فَقال: "أَظُنُّ أَنَّ كَلامَ المَلِكِ غَيْرُ حَقيقيّ، فَرُبَّما يَخْدَعُنا لِنَخْرُجَ مِنَ الغابَةِ في هَذِهِ الرِّحْلَةِ الغَريبَة. سَأَعودُ وَهَذا قَراري النِّهائيّ، هَلْ سَتَعودانِ مَعي؟"

وَقَفَ الأَسَدانِ الآخَرانِ يَتَأَمَّلانِ صَديقَهُما وَهوَ يَعودُ أَدْراجَه، وَهُنا قَرَّرَ أَحَدُهُما اللَّحاقَ بِهِ وَأَخَذَ يَصْرُخ: "اِنْتَظِرْني سَأَعودُ مَعَك"، إِلّا أَنَّ الأَسَدَ الأَخيرَ كانَ صاحِبَ عَزيمَةٍ وَإِصْرار، وَهَدَفُهُ واضِحٌ بَيْنَ عَيْنَيْه، وَكَلِمَةُ "مُسْتَحيلٍ" غَيْرُ مَوْجودَةٍ في قاموسِه، فَقالَ لَهُما: "كَيْفَ تَعودانِ بَعْدَ اجْتيازِ كُلِّ هَذِهِ المَسافَة؟"

رَدَّ عَلَيْهِ أَحَدُهُما: "لا وُجودَ للخاتَمِ البِلّوريِّ السِّحْريّ، كُلُّ هَذا خِدْعَةٌ وَإِنْ لَمْ تَرْجِعْ مَعَنا سَتَموتُ في هَذِهِ الغابَةِ الغَريبَة".

 

    لَمْ يَكْتَرِثْ هَذا الأَخيرُ لِكَلامِهِ وَأَكْمَلَ طَريقَهُ مُراجِعًا مَسيرَةَ حَياتِهِ الحافِلَة، عِلْمًا مِنْهُ أَنَّ التَّكاسُلَ وَالخُمولَ يُصيبانِ الشَّخْصَ في اللَّحَظاتِ الأَخيرَة، لِذَلِكَ قَرَّرَ إِكْمالَ طَريقِهِ بِكُلِّ ثِقَةٍ لأَنَّ النَّجاحَ سَيَكونُ مِنْ نَصيبِه.

    مَضى الوَقْتُ وَوَجَدَ نَفْسَهُ عِنْدَ بُحَيْرَةٍ خَلّابَةٍ تَأْسُرُ النَّظَرَ لِشِدَّةِ جَمالِها وَصَفاءِ مياهِها، فَقَرَّرَ أَخْذَ اسْتِراحَةٍ قَبْلَ إِكْمالِ طَريقِه. وَهُنا، سَمِعَ صَوْتَ المَلِكِ يَأْتيهِ مِنْ مَكانٍ قَريب، وَأَخَذَ يَلْتَفِتُ يَمينًا وَيَسارًا إِلى أَنْ شاهَدَهُ أَمامَه: "هَنيئًا لَكَ هَذا الفَوْز، الآنَ أُسَلِّمُكَ الخاتَمَ البِلّوريَّ لِتُصْبِحَ مَلِكَ الغابَة، وَأَنا سَأَكونُ مُرْتاحَ البالِ لأَنَّكَ صاحِبُ إِرادَةٍ صَلْبَةٍ وَتَسْتَطيعُ قيادَةَ الغابَةِ بِحِكْمَةٍ لِتَعيشَ الحَيَواناتُ بِأَمانٍ وَسَلام".


هذا النّصّ من تأليف التّلميذة "مريم عبد الله" بإشراف المعلّمة "نادية رمدوم" في الصّفّ الثّامن من "مدارس الظّفرة الخاصّة/ العين/ الإمارات العربيّة المتّحدة" خلال مشاركتها في مسابقة التّعبير الكتابيّ على منصّة "كم كلمة" في العام الدّراسيّ 2019-2020.

Previous
Previous

صَديقَتي المُفَضَّلَةُ