صَديقَتي المُفَضَّلَةُ

 
 
 
 

كُنْتُ دائِمًا أُفَكِّرُ مَتى سَأَجِدُ الصَّديقَةَ المُناسِبَةَ لي، لَقَدْ بَحَثْتُ عَنْها في كُلِّ مَكانٍ وَزَمان، وَرَسَمْتُ صورَةً مُمَيَّزَةً لَها في مُخَيِّلَتي بَعْدَ أَنْ خابَ أَمَلي مَرّاتٍ عَديدَةً في إيجادِها.

ذاتَ مَساءٍ بارِدٍ، كانَتْ أُمّي تَنْسُجُ خُيوطَ الصّوفِ وَكَأَنَّها تَعْزِفُ لَحْنًا جَميلًا عَلى آلَةٍ موسيقيَّةٍ بيَدَيْها النّاعِمَتَيْنِ لِتَصْنَعَ لي ثَوْبًا رائِعًا، فَسَأَلْتُها: "مَتى سَأَجِدُ الصَّديقَةَ المُناسِبَةَ يا أُمّي؟ لَقَدْ تَعِبْتُ وَأَنا أَبْحَثُ عَنْها، أُريدُها صادِقَةً وَخاليَةً مِنَ العُيوبِ". فَرَدَّتْ أُمّي قائِلَةً: "لا تَتَوَقَّفي عَنِ البَحْثِ، واصْبِري سَتَجِدينَها يَوْمًا ما، وَلَكِنِ اعْلَمي أَنَّهُ ما مِنْ إِنْسانٍ خالٍ مِنَ العُيوبِ يا عَزيزَتي".

في اليَوْمِ التّالي، ذَهَبْتُ إِلى المَدْرَسَةِ وَتَعَرَّفْتُ إِلى فَتاةٍ اسْمُها "سَلْمى" وَأَحْبَبْتُها لأَنَّها جَميلَةُ الشَّكْلِ وَالمَظْهَر. وَبَعْدَ أَيّامٍ اكْتَشَفْتُ أَنَّها لا تَهْتَمُّ بِنَظافَتِها الشَّخْصيَّةِ فابْتَعَدْتُ عَنْها. وَفي اليَوْمِ نَفْسِهِ، قابَلْتُ جارَتي الجَديدَةَ "قَمَرَ" فَأَحْبَبْتُها جِدًّا لأَنَّها تَتَحَدَّثُ لُغاتٍ عَديدَةً، فَقَرَّرْتُ أَنْ تَكونَ صَديقَتي، ثُمَّ اكْتَشَفْتُ أَنَّها لا تُعامِلُ إِخْوَتَها بِرِفْقٍ وَلا تُساعِدُ أُمَّها في المَنْزِلِ، فابْتَعَدْتُ عَنْها كَذَلِكَ، إِلى أَنْ وَجَدْتُ فَتاةً جَميلَةً اسْمُها "يُمْنى". وَجْهُها مُدَوَّرٌ كالبَدْرِ، وَشَعْرُها أَصْفَرُ كَخُيوطِ الشَّمْسِ، وَصَوْتُها جَميلٌ كَخَريرِ الماءِ... وَكانَتْ ذَكيَّةً وَتُحِبُّ النَّظافَةَ، فَقَرَّرْتُ أَنْ تَكونَ صَديقَتي. وَبِالفِعْلِ، اِتَّضَحَ لي يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ أَنَّها الصَّديقَةُ المِثاليَّةُ إِذْ لَمْ أَجِدْ فيها أَيَّ صِفَةٍ أَكْرَهُها، تَمامًا كَما تَخَيَّلْتُها.

وَذاتَ يَوْمٍ، دَعَتْني "يُمْنى" للمَبيتِ في مَنْزِلِها لأَنَّها كانَتْ تَشْعُرُ بِالوَحْدَةِ، فَأُمُّها كانَتْ تَعْمَلُ في مُناوَبَةٍ لَيْليَّةٍ في المُسْتَشْفى، فَوافَقْتُ بَعْدَ أَنْ سَمَحَ لي أَبي بِذَلِكَ. وَقَبْلَ النَّوْمِ، تَذَكَّرَتْ "يُمْنى" أَنَّها لَمْ تُنْجِزْ واجِباتِها المَدْرَسيَّةَ وَلَمْ تَدْرُسْ كَما نَصَحَتْها المُعَلِّمَةُ، ثُمَّ اكْتَشَفْتُ أَنَّها لَيْسَتِ المَرَّةَ الأولى، فَقَدْ كانَتْ تُحِبُّ تَأْجيلَ عَمَلِ اليَوْمِ إِلى الغَدِ. عِنْدَئِذٍ وَقَعْتُ في حَيْرَةٍ مِنْ أَمْري، هَلْ أَتْرُكُها أَمْ أُساعِدُها؟

بَعْدَ تَفْكيرٍ عَميقٍ، قَرَّرْتُ أَنْ أُساعِدَها في تَنْظيمِ وَقْتِها وَالمُحافَظَةِ عَلى أَداءِ فُروضِها المَدْرَسيَّةِ، وَأَنْصَحَها عِنْدَما تَكونُ بِحاجَةٍ إِلى ذَلِكَ، ثُمَّ شَكَرَتْني عَلى مُساعَدَتي لَها وَالحِفاظِ عَلى صَداقَتِها.

وفي النِّهايَة، تَأَكَّدْتُ أَنَّهُ ما مِنْ إِنْسانٍ خالٍ مِنَ العُيوبِ، لِذا عَلَيْنا أَنْ نَقْبَلَ بِالآخَرِ كَما هوَ. فَالأَهَمُّ مِنْ كُلِّ تِلْكَ العُيوبِ المَوْجودَةِ في كُلِّ إِنْسانٍ هوَ مَحاسِنُ الأَخْلاقِ الَّتي تَطْغى عَلى العاداتِ السَّيِّئَةِ الطَّفيفَةِ.

هذا النّصّ من تأليف التّلميذة "بانا الهيجاء" بإشراف المعلّمة "وداد الشّعلان" في الصّفّ الخامس أساسيّ من "مدارس الظّفرة الخاصّة/ العين/ الإمارات العربيّة المتّحدة" خلال مشاركتها في مسابقة التّعبير الكتابيّ على منصّة "كم كلمة" في العام الدّراسيّ 2018-2019.

Previous
Previous

الصَّديقُ المِثاليُّ

Next
Next

الطُّموحُ سِرُّ النَّجاحِ