المواطنةُ الرّقميّةُ حاجةٌ لا شِعار
يشهدُ قطاعُ التّعليمِ اليومَ حالةً استثنائيّةً ومرحلةً مفصليّةً غيرَ واضحةِ المعالم. وبالرّغمِ منْ بَقاءِ الفلسفاتِ التّربويّةِ على حالِها إلّا أنَّ كيفيّةَ تطبيقِها اختلفَتْ في ظلِّ الوضعِ الرّاهن، ممّا جعلَ القائمينَ على التّعليمِ في حاجةٍ إلى إعادةِ النّظرِ في الطّرقِ المتاحةِ للمُضيِّ قُدُمًا في المسيرةِ التّعليميّةِ ومواجهةِ التّحدّياتِ لبلوغِ المَرامي المنشودة. هَذا وقدْ وجدَ المعنيّونَ حاجةً في ترتيبِ الأَوْلويّات، وَهُنا يكمنُ لُبُّ موضوعِنا.
لطالما تردّدَتْ عَلى المَسامعِ الشِّعاراتُ المُناديَةُ بتوظيفِ التِّكنولوجيا في خدمةِ التّعليمِ لمواكبةِ تَطوّراتِ العَصر، لكنَّ الدّعوةَ لذلكَ لمْ يكنْ لها الوقعُ نفسُهُ كَما هوَ الحالُ اليوم، حينَ وجدْنا أنفسَنا مُلْزَمينَ بِالقيامِ بِواجباتِنا التّعليميّةِ عنْ بُعد، وَحينَ تحوّلَتِ التِّكْنولوجيا بوسائلِها منْ مُكمّلٍ إلى ضَرورةٍ وحلٍّ واحدٍ لا مَثيلَ لهُ للنَّجاة. اِنطلاقًا منْ هذا الواقعِ بالتّحديد، سَنحملُ سويًّا ملفَّ "المواطنةِ الرّقميّةِ" منَ الرّفِّ الأسْفلِ لنضعَهُ عَلى الرّفِّ الأعلى، إذْ لا وقتَ أنْسبُ منَ اليومِ للبحثِ فيهِ والإضاءةِ عليْه.
يشكّلُ مجتمعُ التّلاميذِ اليومَ بِشَريحتِهِ الضّخمةِ صورةً واضحةً للمجتمعِ الرّقميِّ القائمِ على التّعلّمِ وَالتّفاعلِ الاجتماعيّ. لذا، منَ المهمِّ الآنَ أكثرَ منْ أيِّ وقتٍ مَضى أنْ نأخذَ نَفَسًا عَميقًا وَنتأمّلَ وَنتساءَلَ كَتَرْبَويّينَ وَمُعلّمينَ عنْ دوْرِنا منْ ذلك.
إِنْ كانَتِ المواطنةُ الرّقميّةُ تَعني التّوجيهَ والحماية، فَما الّذي نقومُ به في هذا الخصوص؟ وكيفَ نستفيدُ من منافعِ التّكنولوجيا في قطاعِ التّعليم؟ وَكيفَ نَحمي أنفسَنا منْ مخاطرِها؟
تتحوّلُ المواطنةُ الرّقميّةُ اليومَ إلى نمطِ حياة، فَإِلى أيِّ حدٍّ نَعي كيفيّةَ استعمالِ التِّكنولوجيا؟ وَما الَّذي نُعِدُّهُ للمستقبل؟ وإلى أيِّ حدٍّ نحنُ مسؤولونَ في تعاطينا معَ المجتمعِ الرّقميِّ وَعلى المشاركةِ فيهِ بفعاليّة؟
إليْكمْ تسعُ نقاطٍ أساسيّةٍ لا بدَّ منَ الوقوفِ عندَها وَالبدءِ بمشاركتِها وتطبيقِها معَ المتعلّمين:
1. الوصولُ الرّقميّ: إتاحةُ المجالِ للمعلّمينَ والتّلاميذِ للمشاركةِ الإلكترونيّةِ والاتِّصالِ بالإنترنت.
2. التّجارةُ الرّقميّة: تدريبُ المتعلّمينَ على الاِنتباهِ منْ حالاتِ الاحتيالِ لزيادةِ وَعْيِهِمْ كمُسْتَهْلِكين.
3. الاتِّصالاتُ الرّقميّة: يُقصدُ بِها التّبادلُ الرّقميُّ للمعلومات، وتتطلّبُ منَ المُعلّمينَ مَهاراتِ توظيفِ وسائلِ التّواصلِ الإلكترونيَّةِ واستعمالِها بذكاء.
4. مَحْوُ الأمّيّةِ الرّقميّة: أَيْ تعلُّمُ استعمالِ الأدواتِ التّكنولوجيّة.
5. اللّياقةُ الرّقميّة: تدخلُ في نطاقِ السّلوكيّاتِ المتعلّقةِ بكيفيّةِ التَّعاطي معَ التِّكْنولوجيا وتأثيرِها في الذّاتِ وفي الآخَرين.
6. القوانينُ الرّقميّة: التّحلّي بالمسؤوليّةِ تجاهَ القوانينِ الرّقميّةِ كالقرصنةِ والحقوقِ الرّقميّة.
7. الحقوقُ والواجباتُ الرّقميّة: تتجسّدُ في حرّيّةِ التّعبيرِ والنّشرِ والنّقلِ والاقتباسِ ومشاركةِ ما فيهِ منفعةٌ للمجتمع.
8. السّلامةُ الرّقميّة: أيِ استعمالُ التّكنولوجيا بوتيرةٍ معتدلةٍ لحمايةِ الصّحَّةِ النّفسيّةِ والجسديّة.
9. الأمنُ الرّقميّ: حيثُ يتعلّمُ التّلاميذُ كيفيّةَ حمايةِ بَياناتِهِمِ الرّقميّةِ عبرَ تحديثِ أجهزتِهِمْ وَحمايتِها منَ القَرْصَنَةِ والفَيْروسات.
لطالما كانَتْ غايةُ التّعليمِ العُظْمى الإعدادَ للحياة، وَما دامَتِ التِّكنولوجيا اليومَ تحتلُّ جُزْءًا كَبيرًا منْ حياتِنا اليوميّةِ وواحدةً منْ مهاراتِ التّعليمِ في القرنِ الواحدِ والعشرين، صارَتْ تنميةُ المتعلّمينَ على المواطنةِ الرّقميّةِ ضرورةً لا مفرَّ منْها لإعدادِ مواطنينَ صالحينَ يُحْسِنونَ التّعاملَ معَ التّكنولوجيا بحكمةٍ وَذكاءٍ لمواجهةِ تَحدّياتِ الحياةِ بَدَلًا منَ التّعاطي معَها كَقيمةٍ تقنيّةٍ فقط.