الصَّديقُ المِثاليُّ
في يَوْمٍ دِراسيٍّ جَديدٍ، تَعَرَّفْنا إِلى التِّلميذِ "كامِلٍ"، فَرَحَّبْنا بِهِ تَرْحيبًا يُصَوِّرُ لَهُ سُلوكَنا الجَيِّدَ لِنَكْسِبَهُ صَديقًا، لَكِنَّهُ لَمْ يَفْسَحْ لَنا المَجالَ للجُلوسِ مَعَهُ مِنْ خِلالِ تَجاهُلِنا.
بَعْدَ بُرْهَةٍ، اِكْتَشَفْنا رَغْبَتَهُ في الحُصولِ عَلى صَديقٍ كامِلٍ لا يُعيبُهُ عَيْبٌ، وَراحَ يَبْحَثُ عَنْ صَديقٍ مِثاليٍّ، فَجَلَسَ مَعَ العَديدِ مِنَ التَّلاميذِ ليَتَعَرَّفَ إِلى شَخْصيّاتِهِمْ، لَكِنَّهُ لَمْ يَجِدْ طَلَبَهُ. ثُمَّ قابَلَ "سَعيدًا" فَتَراءى لَهُ أَنَّهُ يَتَحَلّى بِصِفاتٍ مِثاليَّة. وَدارَ حَديثٌ بَيْنَهُما:
ـــــ "أَيُمْكِنُكَ أَنْ تَكونَ صَديقي المِثاليَّ الَّذي لا يُعيبُهُ عَيْبٌ فَيُحِبُّ ما أُحِبُّهُ وَيَكْرَهُ ما أَكْرَهُهُ يا "سَعيدٌ"؟"
ـــــ "كَمْ أَنْتَ أَنانيٌّ يا "كاملٌ"! تَبْحَثُ عَمَّنْ يُشْبِهُكَ لِتَحْتَفِظَ بِما تَمْلُكُهُ لِنَفْسِكَ. أَنْصَحُكَ أَلّا تَهْدُرَ وَقْتَكَ باحِثًا عَنِ المِثاليَّةِ فَلا أَحَدَ كامِلٌ في الكَوْنِ كُلِّهِ".
تَجاهَلَ "كامِلٌ" كَلامَ "سَعيدٍ" وَأَكْمَلَ طَريقَ البَحْثِ مِنْ دونِ أَنْ يَتَأَثَّرَ بِكَلامِهِ، إِلّا أَنَّهُ واجَهَ الرَّفْضَ بِسَبَبِ غُرورِهِ وَتَباهيهِ، فَأُحْبِطَ وَأَكْمَلَ دِراسَتَهُ وَحيدًا. عِنْدَ اقْتِرابِ نِهايَةِ السَّنَةِ الدِّراسيَّةِ، قَرَّرَ إِكْمالَ دِراسَتِهِ في الخارِجِ عَلى أَمَلِ أَنْ يَجِدَ الصَّديقَ المُناسِبَ، إِلّا أَنَّ أَحَدًا لَمْ يوَدِّعْهُ أَوْ يَتَحَدَّثْ مَعَهُ.
مَضى في حَياتِهِ وَحاوَلَ الاِخْتِلاطَ مَعَ تَلاميذٍ مُخْتَلِفي الشَّخْصيّاتِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَتَقَبَّلِ التَّعايُشَ مَعَهُمْ وَتَفْكيرَهُمُ المُغايِرَ عَنْ تَفْكيرِهِ وَرَغْبَتِهِ لأَنَّهُ يَسْعى إِلى غايَةٍ بَعيدَةِ المَنالِ، فَبَقيَ وَحيدًا وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَقْضي بَعْضَ الوَقْتِ مَعَهُ، ما أَدّى إِلى حالَةٍ نَفْسيَّةٍ لا عِلاجَ لَها. فَقَدَ "كامِلٌ" الأَمَلَ في إيجادِ صَديقٍ مُمَيَّزٍ وَمِثاليٍّ، وَأَكْمَلَ حَياتَهُ، في زاويَةٍ بَيْنَ أَرْبَعَةِ جُدْرانٍ، تَعيسًا وَوَحيدًا يَلومُ الآخَرينَ لأَنَّهُمْ غَيْرُ مِثاليّينَ، ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ مُمَيَّزٌ عَنْهُمْ.
بَعْدَ فَتْرَةٍ مِنَ الزَّمَنِ، لَمْ يَتَأَقْلَمْ مَعَ الوَحْدَةِ وَهوَ يَرى النّاسَ يَقْضونَ وَقْتَهُمْ مَعَ أَصْدِقائِهِمْ، يَخْتَلِفونَ ثُمَّ يَتَصالَحونَ كَأَنَّ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ... فَفَكَّرَ أَنْ يَعْمَلَ في مَجالٍ اجْتِماعيٍّ يُساعِدُهُ في التَّعَوُّدِ عَلى الآخَرينَ وَالتَّواصُلِ مَعَهُمْ.
وَفي صَباحِ اليَوْمِ التّالي، اِسْتَيْقَظَ "كامِلٌ" بِقوَّةٍ وَعَزيمَةٍ وَإِصْرارٍ عَلى تَغْييرِ طَبيعَةِ حَياتِهِ. فَتَوَجَّهَ إِلى العَمَلِ وَقابَلَ العَديدَ مِنَ الصِّحَفيّينَ الَّذينَ يَتَحَدَّثونَ عَنْ مَواضيعَ مُخْتَلِفَةٍ مَرَّتْ في حَياتِهِمِ الشَّخْصيَّةِ وَالعَمَليَّةِ بِحَيْثُ اكْتَسَبوا مِنْها خِبْراتٍ كَثيرَةً. مِنْ خِلالِ هَذِهِ المُحادَثاتِ، اِكْتَشَفَ "كامِلٌ" أَنَّ كُلَّ إِنْسانٍ يَتَمَيَّزُ بِأَمْرٍ يَعْتَبِرُهُ مِثاليًّا، وَأَدْرَكَ أَنَّهُ كانَ مُخْطِئًا في حَقِّ نَفْسِهِ وَالآخَرينَ.
أَخيرًا، قَرَّرَ أَنْ يَبْدَأَ حَياتَهُ مِْن جَديدٍ مُعْتَبِرًا كُلَّ إِنْسانٍ يُصادِفُهُ مِثاليًّا، ليَعيشَ حَياةً تَمْلَأُها الطُّمَأْنينَةُ في العَلاقاتِ.
هذا النّصّ من تأليف التّلميذ "أحمد الفارسي" بإشراف المعلّمة "وداد الشّعلان" في الصّفّ الخامس أساسيّ من "مدارس الظّفرة الخاصّة/ العين/ الإمارات العربيّة المتّحدة" خلال مشاركته في مسابقة التّعبير الكتابيّ على منصّة "كم كلمة" في العام الدّراسيّ 2018-2019.