الصَّداقَةُ وَحُسْنُ الظَّنِّ
تُعَدُّ الصَّداقَةُ مِنْ أَهَمِّ العَلاقاتِ الإِنْسانيَّةِ الَّتي يَحْتاجُ إِلَيْها كُلٌّ مِنّا كَيْلا يَعيشَ وَحيدًا وَليَجِدَ مَنْ يُشارِكُهُ تَجارِبَ حَياتِهِ الحُلْوَةِ وَالمُرَّةِ.
"سامِرٌ" طالِبٌ في المَدْرَسَةِ الثّانويَّةِ، نَشَأَ في أُسْرَةٍ مُحافِظَةٍ تَلْتَزِمُ بِالعاداتِ وَالتَّقاليدِ وَالأَخْلاقِ الحَميدَةِ. يَحْرِصُ والِداهُ عَلى تَمَثُّلِهِ وَتَحلّيهِ بِالخُلُقِ الحَسَنِ وَيؤَكِّدانِ لَهُ أَهَمّيَّةَ مُصادَقَةِ مَنْ هُمْ عَلى قَدْرٍ عالٍ مِنَ الأَدَبِ وَالاِحْتِرامِ.
كانَ "سامِرٌ" يُعاني صُعوبَةً في تَكْوينِ الصَّداقاتِ، فاخْتيارُ مَنْ يَتَحَلّى بِصِفاتِ الصَّديقِ الصَّدوقِ أَمْرٌ صَعْبٌ. ذاتَ يَوْمٍ، اِنْتَقَلَ إِلى صَفِّ "سامِرٍ" طالِبٌ جَديدٌ اسْمُهُ "سَعيدٌ". يَبْدو "سَعيدٌ" حَسَنَ الخُلُقِ لَكِنَّهُ مُنْطَوٍ عَلى نَفْسِهِ، وَلا أَصْدِقاءَ لَهُ. فَكَّرَ "سامِرٌ" في نَفْسِهِ وَقالَ: "إِنَّ "سَعيدًا" إِنْسانٌ مُحْتَرَمٌ وَهوَ يَتَمَتَّعُ بِمَحاسِنِ الأَخْلاقِ، وَبِالتّالي لا أَصْدِقاءَ لَهُ، فَلا بُدَّ أَنْ أَجْعَلَهُ صَديقي". وَبِالفِعْلِ أَصْبَحَ "سامِرٌ" وَ"سَعيدٌ" صَديقَيْنِ وَتَوَطَّدَتْ صَداقَتُهُما وَباتا لا يَفْتَرِقانِ لِدَرَجَةِ أَنَّ كُلَّ واحِدٍ حَفِظَ ميزاتِ الآخَرِ وَعُيوبَهُ.
بَعْدَ فَتْرَةٍ، أَرادَ "سامِرٌ" شِراءَ حاسوبٍ ليُتْقِنَ بَعْضَ مَهاراتِ المُسْتَقْبَلِ التِّكْنولوجيَّةِ، واحْتاجَ إِلى مَبْلَغٍ مِنَ المالِ ليُكْمِلَ ثَمَنَهُ، فَطَلَبَ مُساعَدَةَ "سَعيدٍ" وَهوَ يَتوقَّعُ إِقْراضَهُ المَبْلَغَ المُتَبقّيَ لِشِراءِ الحاسوب. لَكِنَّ "سَعيدًا" بَدا غَيْرَ مُكْتَرِثٍ فَحَزِنَ "سامِرٌ" وَخابَ أَمَلُهُ في صَديقِهِ الوَحيدِ، وَفَقَدَ ثِقَتَهُ بِهِ لأَنَّهُ لَمْ يَتَقَبَّلْ فِكْرَةَ عَدَمِ مُساعَدَتِهِ لَهُ، فابْتَعَدَ عَنْهُ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ غَيْرُ جَديرٍ بِالصَّداقَةِ الَّتي جَمَعَتْهُما، وَأَصْبَحَ "سامِرٌ" وَحيدًا لا يُصادِقُ أَحَدًا وَلا يَثِقُ بِأَحَدٍ.
بعد أُسْبوعٍ، أَتى "ماجِدٌ" قَريبُ "سَعيدٍ" ليُقابِلَ "سامِرًا" فَأَخْبَرَهُ عَنِ الضّيقِ الماليِّ الَّذي تَمُرُّ بِهِ عائِلَةُ "سَعيدٍ"، ما اضْطَرَّهُ إلى إِعْطاءِ والِدَيْهِ كُلَّ ما جَمَعَهُ مِنْ مالٍ، وَالعَمَلِ في المَساءِ ليُساهِمَ في نَفَقاتِ الأُسْرَةِ أَيْضًا. هُنا، فَهِمَ "سامِرٌ" ما كانَ يَمُرُّ بِهِ صَديقُهُ مِنْ حَرَجٍ شَديدٍ بِسَبَبِ ظُروفِ أُسْرَتِهِ الصَّعْبَةِ. حَزِنَ "سامِرٌ" مِنْ تَسَرُّعِهِ في الحُكْمِ عَلى صَديقِهِ، فَذَهَبَ وَطَلَبَ إِلَيْهِ أَنْ يُسامِحَهُ. وَهَكَذا اسْتَمَرَّتْ صَداقَتُهُما وَعادَتْ كَما كانَتْ.
أَخيرًا، يَجِبُ عَلى كُلٍّ مِنّا أَنْ يُحْسِنَ اخْتيارَ أَصْدِقائِهِ، وَيَثِقَ بِهِمْ وَلا يَتَسَرَّعَ في الحُكْمِ عَلَيْهِمْ. فَلِكُلٍّ مِنّا ظُروفٌ يَمُرُّ بِها، وَلا يوجَدُ مَنْ لا يُخْطِئُ أَوْ مَنْ هوَ خالٍ مِنَ العُيوبِ... فَمِنَ الضَّروريِّ أَنْ نُحاسِبَ أَنْفُسَنا وَنَنْظُرَ إِلَيْها قَبْلَ انْتِقادِ الآخَرِ أَوِ الحُكْمِ عَلَيْهِ.
هذا النّصّ من تأليف التّلميذة "مريم حفناوي" بإشراف المعلّمة "وداد الشّعلان" في الصّفّ الخامس أساسيّ من "مدارس الظّفرة الخاصّة/ العين/ الإمارات العربيّة المتّحدة" خلال مشاركتها في مسابقة التّعبير الكتابيّ على منصّة "كم كلمة" في العام الدّراسيّ 2018-2019.