حِوارٌ هادِئٌ بَيْنَ الصَّمْتِ وَالكَلامِ
يُحْكى أَنَّ خِلافًا بَيْنَ الصَّمْتِ وَالكَلامِ قائمٌ مُنْذُ زَمَنٍ إِذْ لَمْ يَتَنازَلْ أَحَدُهُما للآخَر، فَكُلٌّ مِنْهُما يُصِرُّ عَلى رَأْيِهِ وَيَعْتَبِرُ الآخَرَ غَلْطانًا. لَقَدْ شَهِدَ عَلى أَحاديثِهِما ما يوازي عَدَدَ شَعْرِ الرّأْس، لَكِنْ مِنْ دونِ جَدْوى. فَيَئِسَ الكُلُّ مِنْ أَحاديثِهِما الفارِغَةِ وَتَركوهُما في حالِ سَبيلِهِما.
ذاتَ يَوْم، اِسْتَغْرَبَ الصَّمْتُ وَالكَلامُ غيابَ الجَميعِ عَنِ السّاحَةِ فَجَلَسا يَتَأَمَّلانِ الطَّبيعَةَ بِعَناصِرِها. وَبَعْدَ بُرْهَة، اِسْتَغَلَّ الصَّمْتُ السُّكونَ ليُجْريَ حِوارًا هادِئًا مَعَ الكَلامِ بَعيدًا مِنْ مَسامِعِ الآخَرين، فَقال: "اُنْظُرْ أَيُّها الكَلامُ إِلى جَمالِ الطَّبيعَةِ وَهُدوءِ البَحْرِ الَّذي باتَ مَلاذًا للمَهْمومين! أَوَتَعْرِفُ السَّبَبَ وَراءَ ذَلِك؟ إِنَّهُ الصَّمْت، فَهوَ يَجْعَلُ النّاسَ يَهْرُبونَ مِنْ هُمومِهِمْ وَصَخَبِ الدُّنْيا".
ـ الكلام: "آه، يا لَلْمَلَل! مَضى وَقْتٌ عَلى وُجودِنا سَويًّا وَلَمْ نَنْبِسْ بِبِنْتِ شَفَة، كَيْفَ يُمْكِنُكَ التَّحَمُّل؟ تَخَيَّلْ مَعي فَقَطْ لَوْ تَسْتَيْقِظُ يَوْمًا مِنْ دونِ سَماعِ أَصْواتِ البَلابِل، أَوْ تَتَأَمَّلُ جَمالَ مَنْظَرٍ طَبيعيٍّ ساحِرٍ مِنْ دونِ سَماعِ خَريرِ المياهِ وَحَفيفِ أَوْراقِ الشَّجَر... أَيُمْكِنُكَ تَخَيُّلُ الحَياةِ مِنْ دونِ كَلام؟ أَلَيْسَتْ هَذِهِ قِمَّةَ المَلَل؟"
ـ الصَّمْت: "أَبَدًا، إِنْ تَعَوَّدْنا عَلى هَذِهِ الأُمورِ فَلَنْ نَشْعُرَ بِالمَلَلِ لأَنَّ حاجَتَنا إِلى الصَّمْتِ في الحَياةِ كَبيرَة".
ـ الكَلام: "وَلَكِنْ، ما لا يُمْكِنُ إِنْكارُهُ هوَ أَهَمّيَةُ الكَلامِ في إِبْداءِ وِجْهَةِ النَّظَرِ وَالتَّعْبيرِ عَنِ الرَّأْيِ وَمُناقَشَةِ قَضيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ إِثْباتِ ضِدِّها، وَالتَّعْبيرِ عَنِ الإِعْجابِ بِشَخْصٍ ما أَوْ أَمْرٍ ما".
ـ الصَّمْت: "أَحْيانًا يا فَهيمُ، لُغَةُ العُيونِ تَكْفي وَتَكونُ أَبْلَغَ وَأَفْصَحَ مِنْ أَلْفِ عِبارَةٍ يَنْطِقُها اللِّسان".
ـ الكَلام: "هَذِهِ رائِحَةُ الاِنْهِزامِ الَّتي تَجْعَلُكَ تَتَحَجَّجُ بِلُغَةِ العُيون، فَماذا سَنَفْهَمُ مِنْ عُيونِكَ نَحْن؟"
ـ الصَّمت: "المُشْكِلَةُ أَنَّكَ لَنْ تَفْهَمَ لا بِالعُيونِ وَلا بِالكَلامِ أَهَمّيَّةَ الصَّمْتِ وَما أُحاوِلُ شَرْحَهُ لَك. الصَّمْتُ نِعْمَةٌ تُعَلِّمُكَ أَهَمّيَّةَ الإِصْغاءِ وَالاِسْتِماعِ إِلى رَأْيِ الآخَرِ وَأَفْكارِه، وَفي الوَقْتِ نَفْسِهِ تُريحُكَ مِنْ صَخَبِ الكَلامِ الفارِغ. وَالأَهَمّ، أَلّا تَتَكَلَّمَ إِلّا بِاللّازِمِ وَالضَّروريِّ في الوَقْتِ المُناسِب".
ـ الكَلامُ (يَضْحَكُ ساخِرًا): "آه! حَسَنًا، نَحْنُ الاِثْنانِ مُهِمّانِ في صورَةِ الحَياةِ لَكِنْ يُمْكِنُني أَنْ أَتَكَلَّمَ ساعَةَ أَشاءُ أَلَيْسَ كَذَلِك؟"
في النِّهايَة، أَفادَهُما الهُدوءُ في جَلْسَتِهِما، فَقَدْ تَوَصَّلا هَذِهِ المَرَّةَ إِلى نَتيجَةٍ مَقْبولَة، فَقَدِ اقْتَنَعَ الكَلامُ أَخيرًا بِوِجْهَةِ نَظَرِ الصَّمْتِ إِلّا أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ أَنْ يُظْهِرَ نَفْسَهُ عَلى خَطأ، فَخَتَمَ الحِوارَ بِالمُزاحِ السّاخِرِ مُعْتَبِرًا أَنَّ الحَياةَ صورَةٌ رائِعَةٌ تَحْمِلُ النَّقيضَ في كُلِّ تَفْصيل، وَلِكُلِّ تَفْصيلٍ أَهَمّيَّتُه.
هذا النّصّ من تأليف التّلميذة "شوق الجنيبي" بإشراف المعلّمة "سيرين أشتيه" في الصّفّ الحادي عشر من "مدرسة جيمس البرشاء الوطنيّة للبنات/ الإمارات العربيّة المتّحدة" خلال مشاركتها في مسابقة التّعبير الكتابيّ على منصّة "كم كلمة" في العام الدّراسيّ 2019-2020.