الأَسَدُ العادِلُ والعِصابَةُ الفاسِدة
كانَ يا ما كانَ في قَديمِ الزَّمانِ وَسالِفِ العُصورِ وَالأَوان، مَمْلَكَةٌ عَظيمَةٌ للحَيَواناتِ يَتَرَأَّسُها أَسَدٌ صالِحٌ مُهاب. وَكانَتْ هَذِهِ المَمْلَكَةُ غَنيَّةً وَمُتَراميَةَ الأَطْراف، تَشُقُّها الأَنْهارُ وَالوِدْيان، فيها بَساتينُ مِنْ نَخيلٍ وَأَعْنابٍ وَأَشْجارٍ مُثْمِرَةٍ وَمُتَنَوِّعَة.
كانَتْ لِهَذِهِ المَمْلَكَةِ مَخازِنُ كَبيرَة، فيها كُلُّ ما تَحْتاجُهُ الحَيَواناتُ مِنْ أَغْذيَةٍ بِشَكْلٍ وَفير: فَواكِهُ مُجَفَّفَةٌ وَحُبوبٌ وَأَجْبانٌ وَلُحومٌ وَأَلْبان... وَكانَ المُحْتاجُ مِنَ الحَيَواناتِ يَأْخُذُ مِنْها ما يَكْفيه، غَيْرَ أَنَّ مَلِكَ الغابَةِ لاحَظَ أَنَّ عَدَدًا كَبيرًا مِنَ الأَغْذيَةِ يَنْفُدُ بِسُرْعَةٍ هائِلَة، فَساوَرَتْهُ الشُّكوكُ حَوْلَ حاشيَتِهِ وَقَرَّرَ أَنْ يَقوم، بِنَفْسِه، بِجَوْلَةٍ في المَخازِنِ مِنْ حينٍ إِلى آخَر.
وَبَعْدَ زياراتٍ تَفَقُّديَّةٍ عَديدَة، تَأَكَّدَ مِنْ وُجودِ عِصابَةٍ مِنَ الحَيواناتِ الفاسِدَةِ تَسْرِقُ أَرْزاقَ غَيْرِها، فَقَرَّرَ أَنْ يَسْتَبْدِلَ الحَيَواناتِ المَسْؤولَةَ عَنِ المَخازِنِ بِغَيْرِها مِنَ الحَيَواناتِ الأَمينَةِ وَالصّالِحَة.
وَفي اليَوْمِ التّالي، جَمَعَ مَلِكُ الغابَةِ أَعْوانَهُ وَحاشيَتَهُ لاجْتِماعٍ عاجِل، وَكانَ يَبْدو عَلَيْهِ الغَضَبُ الشَّديد، وَكانَتِ الحَيَواناتُ تَرْتَجِفُ وَتَرْتَعِدُ مِنَ الخَوْف. فَخَطَبَ فيها قائِلًا: "لَقَدْ مَنَحْتُكِ ثِقَتي واعْتَمَدْتُ عَلَيْكِ، لَكِنَّ مَجْموعَةً فاسِدةً خانَتِ الثِّقَةَ وَالأَمانَةَ وَنَهَبَتِ المَخازِن، وَقَدْ قَرَّرْتُ، بَدْءًا مِنَ الآن، تَعْيينَ النَّمِرِ وَالثَّعْلَبِ وَالكَلْبِ حَيَواناتٍ مَسْؤولَةً عَنِ المَخازِن: النَّمِرُ لِقوَّتِهِ وَبَطْشِه، وَالثَّعْلَبُ لِذَكائِهِ وَدَهائِه، وَالكَلْبُ لإِخْلاصِهِ وَوَفائِه".
اِنْتَهى الِاجْتِماعُ وَعادَتِ الحَيَواناتُ إلى بُيوتِها، إِلّا أَنَّ الضِّباعَ وَالذِّئابَ الَّتي كانَتْ تَسْرِقُ المَخازِنَ اجْتَمَعَتْ سِرًّا وَبَدَأَتْ تُعِدُّ خُطَّةً للتَّخَلُّصِ مِنَ الحَيَواناتِ المَسْؤولَة، وَبَعْدَ نِقاشٍ طَويلٍ قَرَّرَتْ أَنْ تَحْرِقَ أَحَدَ المَخازِنِ مِنْ دونِ أَنْ تَتْرُكَ أَثَرًا وَتَتَّهِمَ تِلْكَ الحَيَواناتِ بِالتَّقْصيرِ في أَداءِ وَظائِفِها.
كانَتِ المُؤامَرَةُ خَبيثَةً وَمُحْكَمَةً لَكِنَّ أَمْرًا مُهِمًّا فاتَها، فَقَدْ قامَ الثَّعْلَبُ بِذَكائِهِ وَدَهائِهِ بِاسْتِدْعاءِ أَمْهَرِ الصُّنّاعِ وَكَلَّفَهُمْ بِصِناعَةِ أَبْوابٍ جَديدَةٍ للمَخازِنِ تَفْتَحُ مِنَ الخارِجِ بِطَريقَةٍ عاديَّةٍ لَكِنَّها تُغْلَقُ آليًّا لِمُجَرَّدِ دُخولِ أَيِّ زائِر، وَلا يُمْكِنُ فَتْحُها إِلّا بِمِفْتاحٍ خاصٍّ لا يَمْلِكُهُ إِلّا النَّمِرُ وَالثَّعْلَبُ وَالكَلْب.
وَفي اللَّيْلَةِ المَوْعودَة، اِجْتَمَعَتِ الحَيَواناتُ المُجْرِمَةُ الماكِرَةُ وَتَسَلَّلَتْ في الظَّلامِ إِلى مَخْزَنِ الحُبوبِ وَأَشْعَلَتِ النّار. وَعِنْدَما أَرادَتِ الخُروجَ وَجَدَتِ الأَبْوابَ مُغْلَقَةً وَلا يُمْكِنُ فَتْحُها، فَبَدَأَتْ تَصْرُخُ وَتَطْلُبُ النَّجْدَة، وَنَدِمَتْ عَلى فَعْلَتِها الشَّنيعَةِ وَلَكِنْ بَعْدَ فَواتِ الأَوانِ إِذْ كانَتِ النّيرانُ قَدِ الْتَهَمَتْها.
في هَذِهِ الأَثْناء، اِسْتَيْقَظَتْ حَيَواناتُ الغابَةِ عَلى هَوْلِ النّيرانِ وَتَعاوَنَتْ لإِطْفائِها، وَالكُلُّ يَتَساءَل: "كَيْفَ حَصَلَ هَذا؟". وَعِنْدَ طُلوعِ الفَجْر، دَخَلَتِ الحَيَواناتُ، وَمِنْ بَيْنِها الأَسَد، إِلى مَكانِ الحَريقِ فَوَجَدَتِ الضِّباعَ وَالذِّئابَ مُحْتَرِقَة، فَفَهِمَتِ القِصَّة.
في النِّهايَة، نَظَرَ الأَسَدُ إِلى الحَيَواناتِ مِنْ حَوْلِهِ وَقال: "ها أَنْتِ تَرَيْنَ عَدْلَ اللهِ أَمامَك، فَمَنْ حَفَرَ حُفْرَةً لأَخيهِ وَقَعَ فيها".
هذا النّصّ من تأليف التّلميذة "إسراء بن حسن" بإشراف المعلّم "ماهر منصور" في الصّفّ الرّابع أساسيّ من مدرسة "الأكاديميّة العربيّة الدّوليّة/قطر" خلال مشاركتها في مسابقة التّعبير الكتابيّ على منصّة "كم كلمة" في العام الدّراسيّ 2019-2020.