الصَّديقُ الصَّدوقُ
يُحْكى أَنَّ في إِحْدى الغاباتِ البَعيدَةِ صَديقًا مُقَرَّبًا مِنَ الأَسَدِ مَلِكِ الغابَة، أَلا وَهوَ الثَّعْلَب؛ كانَ الأَسَدُ مُعْجَبًا كَثيرًا بِذَكاءِ الثَّعْلَبِ وَيُفَضِّلُهُ عَلى الآخَرين، وَكانَ يَسْتَشيرُهُ في كُلِّ أُمورِهِ ليُخَطِّطَ وَيُصْلِحَ أَحْوالَ الغابَة. حازَ الثَّعْلَبُ عَلى ثِقَةِ الأَسَدِ وَباتَ يَدَهُ اليُمْنى إِذْ لا يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْتَغْنيَ عَنْه، الأَمْرُ الَّذي جَعَلَ الغَيْرَةَ تَأْكُلُ الذِّئْبَ فَتَمَنّى لَوْ يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ مِنْه.
ذاتَ يَوْم، شَعَرَ الأَسَدُ بِالتَّعَبِ وَالوَهْنِ فَاقْتَرَحَ الثَّعْلَبُ أَنْ يُحْضِرَ لَهُ نَبْتَةً تَزيدُ مِنْ قوَّتِهِ لَكِنَّها تَقَعُ في مَكانٍ بَعيدٍ وَسَيَحْتاجُ إِلى أَيّامٍ عَديدَةٍ ليُحْضِرَها، فَوافَقَ الأَسَدُ عَلى ذَهابِه.
عِنْدَها، كانَ الذِّئْبُ يُنْصِتُ إِلى حَديثِهِما فَقَرَّرَ أَنْ يَنْصِبَ فَخًّا يُخَلِّصُهُ مِنَ الثَّعْلَب. وَكانَتْ مَكيدَتُهُ أَنْ يَسْتَبْدِلَ النَّبْتَةَ بِأُخْرى سامَّةٍ وَيُخْبِرَ الأَسَدَ إِنَّ الثَّعْلَبَ يُريدُ تَسْميمَه.
في هَذِهِ الأَثْناء، لَمَحَتْهُ الأَفْعى وَهوَ يَبْحَثُ عَنِ النَّبْتَةِ السّامَّةِ فَرِحًا مُغَنّيًا: "أَخيرًا سَأَتَخَلَّصُ مِنْكَ أَيُّها الثَّعْلَب". فَذَهَبَتْ مُسْرِعَةً وَأَخْبَرَتِ الأَسَدَ بِما رَأَتْه، فَشَكَرَها عَلى حِرْصِها وَأَمَرَها أَلّا تُخْبِرَ أَحَدًا بِما حَصَل. وَعِنْدَما عادَ الثَّعْلَبُ أَخْبَرَهُ الأَسَدُ عَنْ مُخَطَّطِ الذِّئْب، فاقْتَرَحَ أَنْ يَتْرُكَ الذِّئْبَ ليُكْمِلَ خُطَّتَهُ وَنَصَحَهُ أَنْ يُعْلِنَ عنْ حاجَتِهِ إِلى وزيرٍ يُساعِدُه.
وَبَعْدَ أَيّام، أَعْلَنَ الأَسَدُ أَنَّهُ يَبْحَثُ عَنْ وَزيرٍ يَثِقُ بِه، فابْتَسَمَ الذِّئْبُ وَقالَ في نَفْسِه: "هَذِهِ هيَ اللَّحْظَةُ المُنْتَظَرَةُ لِأوْقِعَ الثَّعْلَبَ في مَكيدَتي، فَيَظُنُّ الأَسَدُ أَنَّهُ أَرادَ تَسْميمَهُ وَيَخْسَرُ صَداقَتَهُ ثُمَّ يُبْعِدُهُ عَنِ الغابَةِ وَأَفوزُ أَنا بِالمَنْصِب".
اِجْتَمَعَ الأَسَدُ بِحَيَواناتِ الغابَة، وَأَعْلَنَ الذِّئْبَ وَزيرًا لَهُ لِفِطْنَتِه، فَفَرِحَ هَذا الأَخيرُ كَثيرًا مُسْتَغْرِبًا اسْتِبْعادَ الثَّعْلَب. ثُمَّ تَقَدَّمَ الأَسَدُ قائِلًا: "بِما أَنَّكَ أَصْبَحْتَ وَزيري أُريدُكَ أَنْ تَأْكُلَ مِنَ النَّبْتَةِ الَّتي أَحْضَرَها الثَّعْلَبُ لِتُصْبِحَ أَكْثَرَ قوَّة." فَبَدَأَ الخَوْفُ يَتَسَلَّلُ إِلى الذِّئْبِ وَأَحَسَّ بِأَنَّهُ وَقَعَ في الفَخِّ الَّذي نَصَبَه. وَعِنْدَما تَرَدَّدَ الذِّئْب، صاحَ الأَسَدُ بِأَعْلى صَوْتِهِ ليُسْمِعَ الجَميعَ وَقال: "لَقَدْ عَلِمْتُ بِمَكيدَتِكَ أَيُّها الذِّئْبُ لِتوقِعَ بَيْني وَبَيْنَ صَديقي الأَمين، وَالآنَ أَتْرُكُ لَكَ القَرار، فَإِمّا أَنْ تَأْكُلَها وَتَهْلِكَ أَوْ تَرْحَلَ مِنْ غابَتي نِهائيًّا، إِذْ يُحَظَّرُ بَقاءُ مَنْ يَضْمُرُ الشَّرَّ لِغَيْرِهِ بَيْنَنا".
وَسُرْعانَ ما هَرَبَ الذِّئْبُ وَهوَ يَشْعُرُ بِالخِزْي، فَعَمَّ السَّلامُ في الغابَةِ وَزادَتْ ثِقَةُ الأَسَدِ بِصَديقِهِ الصَّدوقِ الثَّعْلَب. وَتَفاجَأَتِ الحَيواناتُ قائِلَة: "صَدَقَ القَوْل: مَنْ حَفَرَ حُفْرَةً لأَخيهِ وَقَعَ فيها، وَها هوَ الذِّئْبُ قَدْ وَقَعَ في شَرِّ أَعْمالِهِ وَرَحَلَ عَنِ الغابَة".
هذا النّصّ من تأليف التّلميذة "تالا محمود أبو عبيد" بإشراف المعلّمة "نهى منصور" في الصّفّ الرّابع أساسيّ من "مدارس الظّفرة الخاصّة/ العين/ الإمارات العربيّة المتّحدة" خلال مشاركتها في مسابقة التّعبير الكتابيّ على منصّة "كم كلمة" في العام الدّراسيّ 2019-2020.