زَمْجَرَةُ الأُسودِ

 
 
 
 

في قَديمِ الزَّمان، قَبْلَ أَنْ يَكونَ للزَّمانِ اسْم، عاشَتْ في غاباتِ "السّافانا" مَمْلَكَةٌ مِنَ الأُسودِ يَحْكُمُها الأَسَدُ "دِرْغامُ" وَابْنُهُ "لَيْث". كانَتْ أَراضي المَمْلَكَةِ مَحْميَّةً مِنْ قِبَلِ أَرْبَعَةِ أُسودِ حِراسَة: "ماكْدوف" حاكِمُ قَبيلَةِ النّار، "ماكْبث" حاكِمُ قَبيلَةِ الماء، "دانْكِن" حاكِمُ قَبيلَةِ الحَجَر، وَ"بانْكو" حاكِمُ قَبيلَةِ الرّيح.

كانَتْ للأُسودِ الأَرْبَعِ قِوى الطَّبيعَةِ الخاصَّةِ الَّتي تُمَكِّنُها مِنْ حِمايَةِ المَمْلَكَةِ مِنَ الوُحوشِ القاتِلَةِ الَّتي تُحاوِلُ الِاسْتيلاءَ عَلَيْها مُنْذُ آلافِ السِّنين.

في يَوْمٍ مِنَ أَيّامِ المَمْلَكَةِ التَّعيسَة، دَخَلَتْ أُسودُ الحِراسَةِ الأُسْطوريَّةُ في غَيْبوبَة، ما أَدّى إلى اجْتيازِ الوُحوشِ الحاجِزَ الَّذي يَفْصِلُها عَنِ المَمْلَكَة. وَالحَلُّ الوَحيدُ لإيقافِها هوَ ذَهابُ أَحَدِ الأُسودِ القَويَّةِ بِقَلْبٍ نَقيٍّ إِلى شَجَرَةِ الحَياة، الَّتي تَبْعُدُ أَيّامًا عَنِ المَمْلَكَة، للحُصولِ عَلى زَمْجَرَةِ الأُسودِ الَّتي تَبْلُغُ قوَّتُها دَرَجَةَ إيقاظِ حُرّاسِ المَمْلَكَة. فَقالَ "دِرْغامُ" للأُسود: "أَرْسِلي بَعْضَ الجُنودِ إِلى الشَّجَرَة". إِلّا أَنَّ أَحَدًا لَمْ يَتَطَوَّعْ لأَنَّ الطَّريقَ خَطيرٌ وَقَدْ ماتَتْ أَقْوى الأُسودِ في طَريقِها إِلى هُناكَ عَلى مَرِّ العُصور.

آنَذاك، كانَ الأَميرُ "ليثُ" يُعْتَبَرُ أَضْعَفَ الأُسود، لَكِنَّهُ أَشَدُّها طُموحًا وَإِصْرارًا عَلى النَّجاحِ إِذْ قال: "سَأَذْهَبُ أَنا يا أَبي".

ـ "لا!"، صَرَخَ "دِرْغام".

ـ "أَنا الوَحيدُ الَّذي يَتَطَوَّعُ وَيُصِرُّ عَلى الذَّهابِ يا أَبي. أَنا أَمَلُكَ الوَحيد، أَتَوَسَّلُ إِلَيْك".

ـ "الطَّريقُ خَطيرٌ وَمَليءٌ بِالفِخاخ، حَتّى أَقْوى الأُسودِ لا يُمْكِنُها اجْتيازُه". 

حاوَلَ "لَيْثُ" إِقْناعَ أَبيهِ بِذَهابِهِ إِلّا أَنَّ جَوابَ والِدِهِ ظَلَّ سَلْبيًّا، فَقَرَّرَ الهَرَبَ وَالمُضيَّ في طَريقِهِ نَحْوَ الشَّجَرَة. وَبِالفِعْل، خَرَجَ مِنَ المَمْلَكَةِ آخِذًا خَريطَةَ الطَّريق، فَتَخَطّى كَهْفَ الجَماجِمِ وَغابَةَ المَوْتِ وَهَزَمَ الدُّبَّ الشَّرِسَ "بابو" بِلُعْبَةِ الشَّطَرَنْج.

أَمّا في المَمْلَكَة، فَقَدْ تَخَطَّتِ الوُحوشُ حُدودَ المَمْلَكَةِ وَهَجَمَتْ عَلى الأُسودِ وَسَحَقَتْ جَماجِمَ جُنودِ المَمْلَكَة. فَصَرَخَ "غالْباتوركس" زَعيمُ الوُحوش: "اِنْتَظَرْنا آلافَ السِّنينِ لِنَتَحَرَّرَ وَنَسْتَوْليَ عَلى المَمْلَكَة، وَها نَحْنُ نُهاجِمُها بِحُرّيَّة".

اِسْتَعْمَلَتْ أُسودُ المَمْلَكَةِ أَحْدَثَ تِقَنيّاتِها لإيقافِ الوُحوش، وَلِحُسْنِ حَظِّها ظَهَرَتِ الشَّمْس، وَهيَ نُقْطَةُ ضُعْفِ الوُحوش، وَأَبْعَدَتْها عَنِ المَمْلَكَة.

فَقالَ "دِرْغام": "سَتَعودُ في اللَّيْل، يَجِبُ أَنْ نَكونَ مُسْتَعِدّينَ لها".

رَدَّ أَحَدُ الجُنود: "لَكِنَّها قَويَّةٌ جِدًّا وَبِالكادِ خَدَشْناها".

صَرَخَ "دِرْغام": "لا تَقْلَقوا، سَيَعودُ ابْني حامِلًا الزَّمْجَرَةَ الأُسْطوريَّةَ وَسَتَسْتَيْقِظُ أُسودُ الحِراسَةِ مِنَ الغَيْبوبَة!".

صاحَ الشَّعْبُ وَأَنْكَرَ ذَلِك، فَابْنُ "دِرْغامَ" أَضْعَفُ أَسَدٍ في المَمْلَكَة.

في الجانِبِ الآخَر، تابَعَ "لَيْثُ" طَريقَهُ بِإِصْرارٍ وَطُموحٍ لامَحْدودَيْن، فَهوَ لَنْ يَسْتَسْلِمَ لأَنَّ مَصيرَ المَمْلَكَةِ بَيْنَ كَفَّيْه. وَليَصِلَ إِلى الشَّجَرَةِ كانَ عَلَيْهِ أَنْ يَجْتازَ أَراضيَ الضِّباع، وَهيَ عَدوَّةُ الأُسودِ مُنْذُ الأَزَل. وَعِنْدَما دَخَلَ حُدودَ أَراضيها، قالَ "دورْزا" زَعيمُ الضِّباعِ ساخِرًا: "عَجَبًا عَجَبًا، مَنْ لَدَيْنا هُنا؟ الأَميرُ "ليثُ" قامَ بِزيارَتِنا للمَرَّةِ الأولى وَالأَخيرَة؟".

ـ "لا تَقْتَرِبْ يا "دورْزا"!"، قالَ "لَيْث".

ـ "آه حَقًّا، وَما الَّذي سَتَفْعَلُهُ حيالَ ذَلِك؟"

ـ "اُنْظُرْ "دورْزا"، لَقَدِ اجْتازَتِ الوُحوشُ الشَّرِسَةُ حَقْلَ القوَّةِ الَّذي يَفْصِلُ بَيْنَ مَمْلَكَتِنا وَأَراضيها، وَهيَ مَسْأَلَةُ وَقْتٍ قَبْلَ أَنْ تَأْتيَ إِلى أَرْضِكَ، أَرْضِ الضِّباع، وَتُدَمِّرَ كُلَّ شَيْءٍ هُنا. لِذا، دَعْني أَجْتازُ الأَرْضَ لأَصِلَ إِلى شَجَرَةِ الحَياةِ وَأَحْصُلَ عَلى زَمْجَرَةِ الأُسودِ لأوقِظَ حُرّاسَ المَمْلَكَة".

ـ "ممممم، حَسَنًا سَأَدَعُكَ تَصِلُ إِلى شَجَرَةِ الحَياة، لَكِنَّني أَفْعَلُ ذَلِكَ فَقَطْ لِمَصْلَحَةِ شَعْبي".

وَصَلَ "ليثُ" إِلى شَجَرَةِ الحَياة، وَإِذا بِها تَقولُ بِصَوْتٍ عالٍ: "ماذا تُريدُ أَيُّها الأَسَد؟".

ـ "أُريدُ أَنْ أَحْصُلَ عَلى زَمْجَرَةِ الأُسودِ لِهَزيمَةِ الوُحوشِ الَّتي تُدَمِّرُ مَمْلَكَتِنا".

ـ "وَهَلْ تَسْتَحِقُّ هَذِهِ الزَّمْجَرَةَ بِشَرَف؟ لَقَدْ أَتى الكَثيرُ مِنَ الأُسودِ قَبْلَكَ وَلَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ إِقْناعي".

ـ "أَعْرِفُ أَنَّهُ صَعْبٌ عَلَيْكِ أَنْ تُعطي الزَّمْجَرَةَ الأُسْطوريَّةَ لأَحَد، لَكِنَّني أُريدُها لِمَصْلَحَةِ شَعْبي وَمَصْلَحَةِ كُلِّ كائِنٍ حَيٍّ في الحاضِرِ وَالمُسْتَقْبَل".

ـ "لَقَدْ شاهَدْتُكَ تَعْبُرُ كُلَّ هَذِهِ المَسافَةِ إِلى هُنا بِقَلْبِكَ النَّقيِّ المَليءِ بِالطُّموحِ وَالإِصْرارِ وَعَدَمِ الِاسْتِسْلام، وَأَعْتَرِفُ أَنَّني لَمْ أَرَ أَحَدًا بِهَذِهِ القوَّةِ وَالشَّجاعَةِ مِنْ قَبْل".

ـ "أَنا؟ قَويّ؟ لَكِنَّني أَضْعَفُ أَسَدٍ في المَمْلَكَة".

ـ "وَهَلْ تَظُنُّ أَنَّ أَيَّ أَسَدٍ يُمْكِنُهُ المَجيءُ إِلى هُنا؟ لَقَدْ قادَكَ طُموحُكَ وَإِصْرارُكَ عَلى النَّجاحِ في هَذِهِ الرِّحْلَةِ الخَطيرَةِ الَّتي لَمْ تُحَقِّقْها أَقْوى الأُسودِ عَبْرَ التّاريخ. أَنْتَ تَسْتَحِقُّ الزَّمْجَرَة، فَأَنْتَ المُخْتار".

شَكَرَ "ليثُ" الشَّجَرَةَ وَذَهَبَ إِلى جَبَلِ "ماكمان"، الجَبَلُ الَّذي يُتيحُ للحُرّاسِ سَماعَ الزَّمْجَرَة. فَزَمْجَرَ "ليثُ" فَوْرَ وُصولِهِ إِلى القِمَّةِ وَكانَ الصَّوْتُ صاخِبًا لِدَرَجَةِ أَنَّ كُلَّ مَخْلوقاتِ "السّافانا" سَمِعَتْهُ حَتّى الحُرّاس. وَهُنا، اِسْتَيْقَظَتْ أُسودُ الحِراسَةِ مِنَ الغَيْبوبَةِ وَفَتَحَتْ حَقْلَ الطّاقَةِ بِقِواها، فَسَحَبَتِ البَوّابَةُ الوُحوشَ وَأَرْجَعَتْها إِلى أَراضيها. ثُمَّ حَمَلَتِ الأُسودُ "لَيْثَ" وَشَكَرَتْهُ عَلى قيامِهِ بِهَذا العَمَلِ النَّبيلِ وَإِنْقاذِ "السّافانا"، وَأَصْبَحَ عُضْوًا مِنْ أُسودِ الحِراسَةِ وَحاكِمَ قَبيلَةِ "المُزَمْجِرين".

يُقالُ إِنَّ "لَيْثَ" لا يَزالُ يُحَدِّقُ بِنا مِنَ السَّماء، وَإِنْ أَصْغَيْنا جَيِّدًا قَدْ نَسْمَعُ قوَّةَ زَمْجَرَتِه. وَالأَمْرُ الَّذي يَجِبُ أَنْ تَتَعَلَّمَهُ الأَجْيالُ المُسْتَقْبَليَّةُ مِنْ قِصَّةِ "لَيْث"، هوَ قيمَةُ الطُّموحِ وَالإِصْرارِ وَعَدَمِ الِاسْتِسْلام. فَإِنْ قاتَلْتَ مِنْ أَجْلِ أَحْلامِك، فَأَحْلامُكَ سَتُقاتِلُ مِنْ أَجْلِك. صَدَقَ القائِلُ إِنَّ الطُّموحَ سِرُّ النَّجاح.



هذا النّصّ من تأليف التّلميذ "أمير أكبري" بإشراف المعلّمة "رائدة محمّد" في الصّفّ التّاسع من "مدارس الظّفرة الخاصّة/ العين/ الإمارات العربيّة المتّحدة" خلال مشاركته في مسابقة التّعبير الكتابيّ على منصّة "كم كلمة" في العام الدّراسيّ 2019-2020.

Previous
Previous

اِحْذَرْ أَفْعالَكَ!

Next
Next

"وادي النَّمْلِ"