قِرْقاعونُ البَحْرَيْن
القِرْقاعونُ مُناسَبَةٌ تُراثيَّةٌ جَميلَةٌ وَعادَةٌ سَنَويَّةٌ تَحْتَفِلُ بِها مَمْلَكَةُ البَحْرَيْنِ في مُنْتَصَفِ شَهْرِ رَمَضان. فَما هيَ تَسْمياتُ القِرْقاعونِ المُخْتَلِفَة؟ وَماذا يَحْدُثُ فيه؟ وَهَلْ لَهُ لِباسٌ خاصٌّ بِه؟
تَعَدَّدَتْ تَسْمياتُ هَذِهِ المُناسَبَة، وَمِنْها القِرْقاعون وَالقْريقْشون والنّاصْفَة وَغَيْرُها الَّتي تَخْتَلِفُ مِنْ مِنْطَقَةٍ إِلى أُخْرى. في السّابِق، كَانَتْ تُسَمّى قُرَّةَ العَيْن، وَالآنَ باتَتِ القِرْقاعونَ لأَنَّها تُعْتَبَرُ تَعْبيرًا مُلَطَّفًا للأَطْفالِ الَّذينَ يَقْرَعونَ الأَبْواب.
تَنْتَظِرُ الأُسَرُ البَحْرينيَّةُ القِرْقاعونَ بِفارِغِ الصَّبْر، فَهيَ تَحْرِصُ عَلى إِحْياءِ هَذِهِ اللَّيْلَة - الَّتي يَتَحَمَّسُ لَها الكِبارُ وَالصِّغارُ - في كُلِّ عام. لِذا، يَبْدَأُ الأَهالي بِالِاسْتِعْدادِ قَبْلَ أَيّام، فَيُزَيِّنونَ المَنازِلَ بِالمَصابيحِ المُلَوَّنَة، وَيَشْتَرونَ المَلابِسَ الجَديدَة، وَيَخيطونَ أَكْياسَ القِرْقيعانِ المُزَرْكَشَةَ وَالمُلَوَّنَةَ الَّتي يَحْمِلُها الأَطْفالُ، وَيَشْتَرونَ القِرْقاعونَ - الَّذي يَتَكَوَّنُ مِنَ المُكَسَّراتِ مِثْلَ الجَوْزِ وَالفولِ السّودانيِّ وَالحُلْوَياتِ - وَيَضَعونَهُ في سَلَّةٍ مَصْنوعَةٍ مِنْ سَعَفِ النَّخيلِ تُسَمّى "الجَفير". كَما يَقومُ بَعْضُهُمْ بِصُنْعِ الطُّبولِ مِنْ عُلَبِ الحَليبِ الكَبيرَة.
القِرْقاعونُ احْتِفالٌ يُقامُ لِمُكافَأَةِ الأَطْفالِ عَلى صيامِهِمْ وَتَشْجيعِهِمْ عَلى إِكْمالِه. وَعِنْدَما يَبْدَأُ الِاحْتِفال، يَخْرُجُ الأَطْفالُ إِلى الأَحْياءِ المُجاوِرَةِ فَرِحينَ وَمُبْتَهِجين، وَمُرْتَدينَ المَلابِسَ الشَّعْبيَّةَ الجَديدَة، وَحامِلينَ أَكْياسَ القِرْقيعانِ ليَجْمَعوا فيها الحُلْوَياتِ وَالمُكَسَّراتِ وَالنُّقودَ الَّتي يُقَدِّمُها لَهُمْ أَصْحابُ المَنازِل. وَفي تِلْكَ الأَثْناء، يُرَدِّدونَ الأَناشيدَ الشَّعْبيَّةَ المُتَوارَثَةَ الَّتي تَخْتَلِفُ فيها أَناشيدُ الفَتَياتِ عَنْ أَناشيدِ الفِتْيان. أَمّا ثيابُهُمُ الجَديدَة، فَهيَ كِنايَةٌ عَنِ "البُخْنُقِ" للفَتَيات، وَهوَ رِداءٌ طَويلٌ مَصْنوعٌ مِنْ قُماشٍ شَفّافٍ لَوْنُهُ أَسْوَدُ يُلْبَسُ عَلى الرَّأْسِ، وَيَكونُ مُطَرَّزًا وَمُزَيَّنًا بِنُقوشٍ مِنَ الخُيوطِ الذَّهَبيَّة. كَما أَنَّهُنَّ يَلْبِسْنَ الحُليَّ وَالذَّهَبَ وَيَتَزَيَّنَّ بِالحِنّاء. أَمّا الفِتْيان، فَيَلْبِسونَ الثَّوْبَ التَّقْليديَّ الأَبْيَضَ مَعَ طاقيَّةِ الرَّأْسِ وَتُسَمّى "القِحْفيَّة". وَبِالإِضافَةِ إِلى الأَوْلاد، نَجِدُ العائِلاتِ البَحْرينيَّةَ الَّتي اعْتادَتْ عَلى تَبادُلِ الزّياراتِ في هَذِهِ اللَّيْلَةِ بِهَدَفِ التَّهاني وَالِاسْتِمْتاعِ بِتَناوُلِ الأَكْلاتِ الشَّعْبيَّةِ البَحْرينيَّة.
وَبِالرُّغْمِ مِنْ تَمَسُّكِ الأُسَرِ البَحْرينيَّةِ بِالزّيِّ التَّقْليديِّ وَالأَناشيدِ التَّقْليديَّةِ وَتَوْزيعِ القِرْقيعان، إِلّا أَنَّ الِاحْتِفالَ بِالقِرْقاعونِ لَمْ يَعُدْ بَسيطًا كَما كان، وَبِخاصَّةٍ بَعْدَ التَّطَوُّراتِ وَالتَّغَيُّراتِ في العاداتِ الَّتي حَدَثَتْ في السَّنَواتِ الأَخيرَة، إِذْ باتَتِ الأُسَرُ تَتَنافَسُ في تَجْهيزِ التَّوْزيعاتِ الَّتي أَصْبَحَتْ مُكْلِفَةً وَباهِظَةَ الثَّمَن. حَتّى التَّهاني وَالمُبارَكات، أَصْبَحوا يَتَبادَلونَها عَنْ طَريقِ الرَّسائِلِ النَّصّيَّةِ وَالهاتِفِ المَحْمولِ بَدَلًا مِنْ تَبادُلِ الزّيارات. كَما أَنَّهُمْ باتوا يَرْفُضونَ خُروجَ أَطْفالِهِمْ للتَّجَوُّلِ في الشَّوارِعِ خَوْفًا عَلَيْهِمْ مِنَ الحَوادِث.
وَأَخيرًا، يُعْتَبَرُ القِرْقاعونُ مِنْ أَهَمِّ المُناسَباتِ المُمَيَّزَةِ في المُجْتَمَعِ البَحْرينيِّ لأَنَّه مَوْروثٌ شَعْبيٌّ تَناقَلَتْهُ الأَجْيال، لَيْسَ فَقَطْ في الأَحْياء، إِنَّما في المَراكِزِ الِاجْتِماعيَّةِ وَالأَنْديَةِ وَالمَدارِسِ أَيْضًا. وَكُلُّ ذَلِكَ يُساهِمُ في تَعَلُّقِ الأَطْفالِ بِثَقافَةِ مُجْتَمَعِهِمْ وَقِصَصِ أَجْدادِهِمْ وَتُراثِهِمْ وَنَمَطِ حَياتِهِم. فَما رَأْيُكَ بِالقِرْقاعون؟ وَهَلْ أَعْجَبَتْكَ طَريقَةُ الِاحْتِفالِ بِه؟
هذا النّصّ من تأليف التّلميذ "علي محمود العالي" بإشراف المعلّم "محمود أحمد" في الصّفّ العاشر من مدرسة "الحكمة الدّوليّة - البحرين" خلال مشاركته في مسابقة التّعبير الكتابيّ على منصّة "كم كلمة" في العام الدّراسيّ 2023-2022.