مُغامَرَةٌ في المُتحَف: تَبادُلُ العُقولِ وَتَعَلُّمُ الدُّروس

 
 
 
 

"هاني" جاري مُنْذُ أَيّامِ الطُّفولَة، وَنَحْنُ صَديقانِ مُقَرَّبان. الكُلُّ يَسْتَغْرِبُ صَداقَتَنا لأَنَّنا مُخْتَلِفانِ تَمامًا عَنْ بَعْضِنا، إِذْ أَتَحَلّى نَوْعًا ما بِعَقْليَّةِ الجُمود، بَيْنَما يَتَّسِمُ "هاني" بِعَقْليَّةِ النُّموّ.


ذاتَ يَوْم، كُنْتُ أَتَصَفَّحُ هاتِفي المَحْمول، فَوَجَدْتُ إِعْلانًا عَلى أَحَدِ المَواقِعِ عَنْ مُتْحَفٍ جَديدٍ يَحْتَوي عَلى اكْتِشافٍ حَديثٍ سَيُغَيِّرُ العالَم. وَما حَفَّزَني عَلى زيارَتِهِ هوَ أَنَّهُ يَبْعُدُ بِضْعَ دَقائِقَ عَنْ مَنْزِلي. اِتَّصَلْتُ بِـ"هاني" وَأَخْبَرْتُهُ أَنْ يُجَهِّزَ نَفْسَهُ لأَنَّنا سَنَذْهَبُ في رِحْلَةٍ اسْتِثْنائيَّةٍ حَيْثُ سَنواجِهُ تَحَدّياتٍ غَيْرَ مُتَوَقَّعَة. ثُمَّ اسْتَأْذَنْتُ أُمّي وانْتَعَلْتُ حِذائي، وَكُنْتُ أَشْعُرُ بِحَماسَةٍ لا توصَف. قابَلْتُ "هاني" وَتَوَجَّهْنا نَحْوَ المُتْحَفِ سَيْرًا عَلى الأَقْدام.


وَعِنْدَما وَصَلْنا، وَجَدْنا أَنْفُسَنا أَمامَ مَبْنًى هائِلِ الضَّخامَة، فَدَخَلْنا وَوَجَدْنا آثارًا قَديمَةً وَجَميلَة، وَرُحْنا نَسْتَكْشِفُ مَعالِمَ المُتْحَفِ بِالتَّفْصيل. لَكِنَّ فَرْحَتَنا لَمْ تَكْتَمِل، إِذْ عَضَّ جَرْوٌ صَغيرٌ إِحْدى السَّيِّداتِ الزّائِرات، فَخافَ "هاني" وَأَسْقَط، لِشِدَّةِ ذُعْرِه، إِحْدى اللَّوْحاتِ الفَنّيَّةِ المَصْنوعَةِ مِنَ الفَخّارِ وانْكَسَرَت. فَفُعِّلَ نِظامُ حالاتِ الطَّوارِئِ وأُغْلِقَتْ كُلُّ الأَبْوابِ تِلْقائيًّا، وَلِخَوْفِنا صَعِدْنا إِلى الطّابِقِ الثّاني. وَهُناكَ لَمَحْنا جِهازًا يُشْبِهُ الباب، وَقَدْ عُلِّقَتْ لَوْحَةٌ عَلَيْهِ تَحْمِلُ عِبارَةَ "تَبادُلِ العُقول". عِنْدَها عَرَفْتُ أَنَّهُ الِاكْتِشافُ الجَديد. فاقْتَرَحْتُ عَلى "هاني" أَنْ نَخْتَبِئَ داخِلَه، لَكِنَّهُ رَفَضَ وَقَرَّرَ أَنْ يُسَلِّمَ نَفْسَهُ لِحُرّاسِ الأَمْن. وَفي تِلْكَ اللَّحْظَة، رَأى فَأْرًا، وَهوَ يُعاني مِنْ رُهابِ الفِئْران، فَدَخَلَ إِلى آلَةِ تَبادُلِ العُقولِ مِنْ دونِ تَرَدُّد، فَقَفَزْتُ مَعَهُ بِهَدَفِ الِاخْتِباء. لَكِنَّني، عَنْ طَريقِ الخَطَأ، ضَغَطْتُ عَلى الزِّرِّ الأَحْمَر، فَبَدَأَتِ الآلَةُ بِالتَّحَرُّكِ وَإِصْدارِ الأَصْوات. وَبَعْدَ دَقائِقَ تَوَقَّفَت، وَسادَ صَمْتٌ رَهيبٌ في المُتْحَف، إِذْ لَمْ يَتَجَرَّأْ أَحَدٌ حَتّى اليَوْمِ عَلى دُخولِها.


وَبَعْدَ لَحَظاتٍ شَعَرْتُ بِصُداعٍ شَديد، ثُمَّ رَأَيْتُ نَفْسي أَمامي، وَكَأَنَّني أَنْظُرُ في المِرْآة، وَكَذَلِكَ "هاني"، فَصَرَخْنا صَرْخَةً واحِدَةً وَخَرَجْنا مَذْعورَيْن. ثُمَّ أَخَذَنا الحُرّاسُ إِلى مُديرِ المُتْحَفِ الَّذي بَشَّرَنا أَنَّ عُقولَنا سَتَتَبَدَّلُ لِمُدَّةِ يَوْمَيْن. فَقاطَعْتُهُ صارِخًا وَتَذَمَّرْتُ عَلى عَكْسِ "هاني" الَّذي فاجَأَني بِقَوْلِه: "خُذِ المَوْضوعَ بِمُرونَةٍ واسْتَمْتِعْ بِوَقْتِك؛ فَهَذِهِ تَجْرِبَةٌ فَريدَةٌ مِنْ نَوْعِها، وَنَحْنُ أَوَّلُ مَنْ يُجَرِّبُها". فَغَضِبْتُ مِنْهُ وَخاصَمْتُهُ، لَكِنَّنا اتَّفَقْنا بَعْدَها أَنْ نَعودَ إِلى المَنْزِلِ حَتّى انْقِضاءِ اليَوْمَيْن.


وَهُنا بَدَأَتْ نَكْهَةُ التَّجْرِبَةِ بِمَواقِفَ مُثيرَةٍ وَمُضْحِكَةٍ وَتَفاعُلاتٍ طَريفَةٍ وارْتِباكِ الشَّخْصيّاتِ وَصِراعاتٍ فِكْريَّةٍ مَليئَةٍ بِالمُفاجآت. فَقَدْ بَدَأْتُ، عَلى غَيْرِ العادَة، أَنْتَظِمُ في مَواعيدي وَدِراسَتي أَكْثَر، الأَمْرُ الَّذي أَعْجَبَ أُمّي كَثيرًا؛ لأَنَّها كانَتْ تَراني أَسْتَيْقِظُ قَبْلَها وَأَذْهَبُ إِلى المَدْرَسَةِ مِنْ دونِ مُماطَلَة. وَفي اليَوْمِ الثّاني، اِسْتَغْرَبْتُ مِنْ غيابِ "هاني" في الصَّباح، ثُمَّ جاءَ في الحِصَّةِ الرّابِعَةِ وَوَجْهُهُ حَزينٌ وَشاحِبٌ، وَعَرَفْنا بَعْدَها أَنَّ أَباهُ وَبَّخَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَيْقِظْ بِمُفْرَدِهِ كالعادَة، وَقَدْ أَغْلَقَ المُنَبِّه، وَطَبْعًا هَذِهِ عادَتي أَنا اليَوْميَّة. شَعَرْتُ بَالأَسى حيالَه، لَكِنَّني ضَحِكْتُ كَثيرًا وَقُلْتُ لَهُ إِنَّهُ يَحْمِلُ عَنّي القَليلَ مِمّا أُعانيه، فَهَزَّ رَأْسَهُ ضاحِكًا بِسُخْريَة.


وَبَعْدَ انْقِضاءِ اليَوْمَيْن، عادَ كُلٌّ مِنّا إِلى طَبيعَتِه، وَبَدَأْتُ أُلاحِظُ الفَرْقَ الشّاسِعَ بَيْنَ عَقْليَّتَيْنا المُخْتَلِفَتَيْن. فَقَدْ عُدْتُ إِلى طَبيعَتي وَتَأَخَّرْتُ عَنِ المَدْرَسَةِ في صَباحِ اليَوْمِ التّالي. وَيَوْمَها كانَ دَوْري أَنْ أَصِلَ إِلى المَدْرَسَةِ حَزينًا وَشاحِبًا.


أَخيرًا، مَرَّتْ هَذِهِ التَّجْرِبَةُ الفَريدَةُ مِنْ نَوْعِها بِأَقَلِّ ضَرَرٍ مُمْكِن.وَأَنت؟ ماذا تَفْعَلُ لَوْ مَرَرْتَ بِتَجْرِبَةٍ مُماثِلَة؟


هذا النّصّ من تأليف التّلميذ "إبراهيم منتصر عزّام" بإشراف المعلّم "أيمن حاج حمدان" في الصّفّ العاشر أساسيّ من "مدارس جدّة الخاصّة العالميّة/ المملكة العربيّة السّعوديّة" خلال مشاركته في مسابقة التّعبير الكتابيّ على منصّة "كم كلمة" في العام الدّراسيّ 2023-2024.






Previous
Previous

"لُجَيْن" في دُنْيا العَجائِب

Next
Next

مُغامَراتُ السَّيِّدِ "فَيْصَل" وَالسَّيِّدِ "جَميل": صِراعُ التَّقْليدِ وَالتِّكْنولوجيا