مُغامَراتُ السَّيِّدِ "فَيْصَل" وَالسَّيِّدِ "جَميل": صِراعُ التَّقْليدِ وَالتِّكْنولوجيا
في قاعاتِ المَدارِسِ المُتَوَسِّطَةِ والثّانَويَّةِ ذاتِ الأَمَلِ العالي، نَجِدُ ثُنائيًّا غَريبًا مِنَ المُعَلِّمين، قَدْ أَثارَتِ اخْتِلافاتُهُ الصّارِخَةُ الضَّحِكَ والِارْتِباكَ بَيْنَ التَّلاميذ. مِنْ ناحيَةٍ لَدَيْنا السَّيِّدُ "فَيْصَل"، وَهوَ مُعَلِّمٌ قَديمُ الطِّرازِ تَجَمَّدَتْ أَساليبُ تَدْريسِهِ مَعَ الزَّمَن. وَمِنْ ناحيَةٍ ثانيَةٍ لَدَيْنا السَّيِّدُ "جَميل"، وَهوَ مِنْ عُشّاقِ التِّكْنولوجيا الَّذينَ يُتابِعونَ أَحْدَثَ الأَجْهِزَة.
تَظْهَرُ المُفاجَأَةُ في التَّناقُضِ الكَبيرِ بَيْنَ أُسْلوبِ المُعَلِّمَيْن؛ إِذْ يَسْتَعْمِلُ السَّيِّدُ "فَيْصَلٌ" أَلْواحًا بَيْضاءَ قَديمَة، وَالسَّبّورَةَ وَالطَّبْشورَ المُلَوَّن، وَمَجْموعَةً مِنَ الكُتُبِ المَدْرَسيَّةِ القَديمَةِ الَّتي تُنافِسُ مَعْرِضًا في المُتْحَف. بَيْنَما يَتَبَنّى السَّيِّدُ "جَميلٌ" التِّكْنولوجيا وَيَدْمُجُها بِسَلاسَةٍ في دُروسِه، وَيَجْعَلُ فَصْلَهُ الدِّراسيَّ مِساحَةً تَعْليميَّةً مُمْتِعَةً وَجاذِبَةً للتَّلاميذ، إِذْ إِنَّها مَليئَةٌ بِأَلْواحِ الكِتابَةِ التَّفاعُليَّةِ وَالأَجْهِزَةِ اللَّوْحيَّةِ لِكُلِّ تِلْميذٍ وَمَجْموعَةٍ مِنَ التَّطْبيقاتِ التَّعْليميَّة. وَما هيَ إِلّا فَتْرَةٌ وَجيزَة، حَتّى خَلَقَ هَذا الِاخْتِلافُ صِراعًا أُسْطوريًّا اصْطَدَمَتْ فيهِ مَساراتُهُما في مواجَهَةٍ مُضْحِكَةٍ لا تُنْتَسى.
بَدَأَ كُلُّ شَيْءٍ في صَباحِ يَوْمِ ثُلاثاءٍ جَميلٍ خِلالَ اجْتِماعِ الموَظَّفين، حَيْثُ كانَ السَّيِّدُ "فَيْصَلٌ" يُدافِعُ بِحَماسَةٍ عَنْ أَجْهِزَةِ العَرْضِ العُلْويَّةِ القَديمَةِ للحِفاظِ عَلَيْها في المَدْرَسَة، وَيَقول: "لَقَدْ خَدَمَتْنا أَجْهِزَةُ العَرْضِ هَذِهِ بِإِخْلاصٍ لِعُقودٍ مِنَ الزَّمَن! فَلِماذا نُصْلِحُ ما لَمْ يَنْكَسِر؟ إِنَّ الأَساليبَ التَّقْليديَّةَ مُسْتَمِرَّة". فَشَعَرَ السَّيِّدُ "جَميلٌ" بِالإِحْباطِ مِنْ عِنادِ زَميلِه، وَرَفَعَ يَدَهُ مُقاطِعًا: "لَكِنْ يا سَيِّدُ "فَيْصَل"، أَلَنْ يَكونَ اسْتِعْمالُ العُروضِ التَّقْديميَّةِ الرَّقْميَّةِ أَكْثَرَ كَفاءَة؟ تَخَيَّلِ الِاحْتِمالاتِ مَعَ بَرْنامَجِ "الباوِرْبويْنت"!" سَخِرَ السَّيِّدُ "فَيْصَلٌ" مِنْ هَذا الِاقْتِراحِ وَوَصَفَهُ بِالتَّفاهَة: "باوِرْبويْنت! لا سَأَلْتَزِمُ بِالوَرَقِ الشَّفّافِ المَوْثوقِ بِه". فَهَزَّ السَّيِّدُ "جَميلٌ" رَأْسَهُ لِتَمَنُّعِ زَميلِهِ عَنْ تَبَنّي التِّكْنولوجيا الحَديثَة، وَقَرَّرَ أَنْ يَجِدَ طَريقَةً يُظْهِرُ مِنْ خِلالِها فَوائِدَ دَمْجِ الأَدَواتِ الرَّقْميَّةِ بِأَساليبِ التَّدْريسِ الخاصَّةِ بِه.
وَفي وَقْتٍ لاحِق مِنْ ذَلِكَ الأُسْبوع، حَضَّرَ السَّيِّدُ "جَميلٌ" خُطَّةً لِتَلْقينِ السَّيِّدِ "فَيْصَلٍ" دَرْسًا قَدْ يُغَيِّرُ نَظَريَّتَه. فَوَصَلَ جِهازَ زَميلِهِ اللَّوْحيّ، عِنْدَما بَدَأَ يُدَرِّسُ الوَحْدَةَ الجَديدَةَ لِذَلِكَ الفَصْل، بِجِهازِ العَرْضِ اسْتِعْدادًا لِتَقْديمِ تَطْبيقِ رُسومٍ بَيانيَّةٍ ديناميكيٍّ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَجْعَلَ الدَّرْسَ يَنْبِضُ بِالحَياة. وَبَيْنَما كانَ السَّيِّدُ "فَيْصَلٌ" عَلى وَشْكِ البَدْءِ بِحِوارٍ شَخْصيٍّ حَوْلَ عَجائِبِ القِسْمَةِ المُطَوَّلَة، اِنْفَجَرَ الفَصْلُ الدِّراسيُّ بِالهُتافاتِ والتَّصْفيقِ عِنْدَما ظَهَرَتْ رُسومٌ بَيانيَّةٌ مُلَوَّنَةٌ وَرُسوماتٌ تَفاعُليَّةٌ وَمُتَحَرِّكَةٌ تَشْرَحُ الدَّرْسَ بِطَريقَةٍ جَذَبَتِ انْتِباهَ التَّلاميذ. عِنْدَها، تَجَمَّدَ السَّيِّدُ "فَيْصَلٌ" واتَّسَعَتْ عَيْناهُ مِنَ الصَّدْمَةِ وَهوَ يُحَدِّقُ في الشّاشَةِ أَمامَه. ثُمَّ رَمَشَ بِعَيْنِهِ غَيْرَ مُصَدِّقٍ وَغَيْرَ قادِرٍ عَلى فَهْمِ كَيْفيَّةِ تَحَوُّلِ دَرْسِهِ الَّذي كانَ مُمِلًّا إِلى تَجْرِبَةٍ جَذّابَةٍ وَمُفْعَمَةٍ بِالحَيَويَّة.
وَفي النِّهايَة، اِعْتَرَفَ السَّيِّدُ "فَيْصَلٌ" بِالهَزيمَةِ وَإِمْكانيَّةِ وُجودِ بَعْضِ المَزايا لِتَبَنّي أَساليبِ التَّدْريسِ الجَديدَة. فَضَحِكَ كِلاهُما وَظَلّا يَتَذَكَّرانِ هَذا الفَصْلَ لِسَنَوات. وَمُنْذُ ذَلِكَ اليَوْم, قامَ الثُّنائيُّ الفَريدُ بَيْنَ المُعَلِّمينَ بِتَعْليمِ التَّلاميذِ أَنَّ صِراعَهُما الكوميديَّ كانَ بِمَثابَةِ تَذْكيرٍ أَنَّهُ يُمْكِنُ تَعَلُّمُ أَفْضَلِ الدُّروسِ مِنْ خِلالِ الضَّحِكِ وَالأَساليبِ المُتَطَوِّرَة.
هذا النّصّ من تأليف التّلميذة "ديمة مؤيّد موسى" بإشراف المعلّمة "دانية عطفة" في الصّفّ الثّامن أساسيّ من "مدارس جدّة الخاصّة العالميّة/ المملكة العربيّة السّعوديّة" خلال مشاركتها في مسابقة التّعبير الكتابيّ على منصّة "كم كلمة" في العام الدّراسيّ 2023-2024.