"لُجَيْن" في دُنْيا العَجائِب
في يَوْمٍ مِنَ الأَيّام، كُنْتُ أَجْلِسُ تَحْتَ شَجَرَةِ التُّفّاحِ الكَبيرَةِ في حَديقَةِ المَنْزِل، أُراقِبُ أُخْتي وَأَخي يَلْعَبان؛ فَغَالِبًا ما أَشْعُرُ بِالمَلَلِ وَلا أُكْمِلُ اللَّعِبَ مَعَهُما.
بَعْدَ وَقْتٍ قَصير، سَقَطَتْ تُفّاحَةٌ بِالقُرْبِ مِنّي وانْشَقَّتْ نِصْفَيْن، فَخَرَجَتْ مِنْها زُجاجَةٌ صَغيرَةٌ مَكْتوبٌ عَلَيْها "اِشْرَبيني". دَفَعَني الفُضولُ إِلى مَعْرِفَةِ مَذاقِها، فَأَخَذْتُ رَشْفَةً صَغيرَةً مِنْها. ما هيَ إِلّا لَحَظاتٌ حَتّى شَعَرْتُ بِرَأْسي يَدورُ وَغَرِقْتُ في نَوْمٍ عَميق.
عِنْدَما اسْتَيْقَظْتُ، وَجَدْتُ نَفْسي في عالَمٍ غَريبٍ يُسَمّى "دُنْيا العَجائِب". دُهِشْتُ جِدًّا وَقَرَّرْتُ اسْتِكْشافَ هَذا العالَمِ العَجيب. رَأَيْتُ فَتاة، في مِثْلِ سِنّي، تَقومُ بِحَرَكاتٍ رياضيَّةٍ صَعْبَةٍ وَجَميلَة، لَطالَما حاوَلْتُ التَّدَرُّبَ عَلَيْها لَكِنَّني كُنْتُ أَتْعَبُ وَأَسْتَسْلِمُ بِسُرْعَة؛ فَذَهَبْتُ لأَسْأَلَها عَنْ سِرِّ مَهاراتِها، وَقُلْتُ لَها: "مَرْحَبًا، أَنا أُدْعى "لُجَيْن"." فَقالَتْ: "أَهْلًا "لُجَيْن"، أَنا "سارَة". تَبْدو عَلَيْكِ الدَّهْشَة، لا بُدَّ أَنَّكِ جَديدَةٌ هُنا."
ـ "نَعَم، إِنَّها المَرَّةُ الأولى الَّتي أَزورُ فيها هَذا المَكان، وَأُريدُ أَنْ أَعْرِفَ كَيْفَ اسْتَطَعْتِ أَنْ تُتْقِني هَذِهِ الحَرَكاتِ الصَّعْبَة؟"
ـ "الِالْتِزامُ والإِصْرارُ وَثِقَتُكِ بِنَفْسِكِ هي كُلُّ ما تَحْتاجينَ إِلَيْه. لَقَدْ كُنْتُ أَتَدَرَّبُ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ دونِ كَلَلٍ وَمَلَلٍ أَوِ اسْتِسْلام، إِلى أَنْ أَصْبَحْتُ ماهِرَةً في أَداءِ هَذِهِ الحَرَكات. ما رَأْيُكِ أَنْ آخُذَكِ في جَوْلَةٍ لِرؤْيَةِ عالَمِنا هَذا؟"
ـ "بِالتَّأْكيد، أَنا مُتَحَمِّسَةٌ لِرؤْيَةِ المَزيدِ مِنَ العَجائِب."
مَشَيْتُ وَ"سارَةُ" وَرَأَيْنا الكَثيرَ مِنَ النّاس. كُلٌّ مِنْهُمْ مَشْغولٌ بِأَعْمالٍ مُخْتَلِفَةٍ وَيُجَرِّبُ أُمورًا جَديدَة. كَما رَأَيْنا شَجَرَةَ قُبَّعاتٍ تَحْمِلُ أَشْكالًا وَأَحْجامًا وَأَلْوانًا عَديدَةً مِنَ القُبَّعات. فَقالَتْ لي "سارة": "كُلُّ قُبَّعَةٍ تُقَدِّمُ لَكِ خِدْمَةً حَسَبَ ما تَحْتاجينَ إِلَيْه، مَثَلًا لَوْ كُنْتِ تَشْعُرينَ بِالتَّعَبِ والكَسَلِ تَعْتَمِرينَ قُبَّعَةَ النَّشاط، وَلَوْ شَعَرْتِ بِاليَأْسِ والفَشَلِ يُمْكِنُكِ اعْتِمارُ قُبَّعَةِ الإِصْرارِ والعَمَل." ثُمَّ رَأَيْنا، عِنْدَ جِذْعِ هَذِهِ الشَّجَرَة، رَجُلًا واقِفًا يُدْعى السَّيِّدَ "مِمْحاة". هوَ يُمْحي الأَبْوابَ المُغْلَقَةَ في رَأْسِك، فَإِذا كُنْتِ تَحْلُمينَ بِهَدَفٍ مُعَيَّنٍ لَكِنَّكِ تَعْتَقدينَ أَنَّكِ لا تَسْتَطيعينَ تَحْقيقَه، سَيُمْحي السَّيِّدُ "مِمْحاةُ" مَخاوِفَكِ وَيُعْطيكِ قُبَّعَةَ الشَّجاعَة، وَسَيَغْدو تَحْقيقُ حُلْمِكِ سَهْلًا. بَعْدَها، تابَعْنا سَيْرَنا وَرَأَيْنا وَلَدًا صَغيرًا يَصْنَعُ روبوتًا ذَكيًّا كَبيرَ الحَجْمِ وَجَميلَ الشَّكْل. فاقْتَرَبْتُ مِنْهُ وَسَلَّمْتُ عَلَيْه، ثُمَّ سَأَلْتُه: "كَيْفَ صَنَعْتَ هَذا الرّوبوت؟" فَقالَ لي: "لَقَدْ بَذَلْتُ مَجْهودًا كَبيرًا وَلَمْ أَسْتَسْلِمْ حَتّى صَنَعْتُه." فَقُلْتُ لَه: "أَيُمْكِنُني أَنْ أَصْنَعَ مِثْلَه؟" قالَ لي: "نَعَم، يُمْكِنُ لِأَيِّ شَخْصٍ أَنْ يَصْنَعَ مِثْلَهُ بِالعَزيمَةِ والإِصْرار."
عِنْدَها، أَدْرَكْتُ أَنَّ الأَمْرَ لَمْ يَكُنْ مُتَعَلِّقًا بِالمَزيجِ السِّحْريِّ أَوْ عالَمِ العَجائِبِ الَّذي اكْتَشَفْتُهُ فَقَط، بَلْ هوَ مُتَعَلِّقٌ بِقوَّةِ الإيمانِ بِالإِمْكاناتِ الَّتي لا نِهايَةَ لَها داخِلَ كُلِّ واحِدٍ مِنّا.
في النِّهايَة، اِكْتَشَفْتُ أَنَّني كُنْتُ فَتاةً ذاتَ "عَقْليَّةِ جُمودٍ" وَتَحَوَّلْتُ إِلى فَتاةٍ ذاتِ "عَقْليَّةِ نُموّ". وَبِتُّ أُرَكِّزُ عَلى التَّعَلُّمِ والتَّطْويرِ والتَّحْسينِ وَنُموِّ المَعْرِفَةِ والمَهارَةِ والثِّقَةِ والطُّموح. فَكُلُّ ما نَحْتاجُ إِلَيْهِ هوَ التَّحَلّي بِالعَزيمَةِ والإِصْرارِ حَتّى نَنالَ ما نَسْعى إِلَيْه.
هذا النّصّ من تأليف التّلميذة "لجين مصطفى يوسف" بإشراف المعلّمة "نهى منصور" في الصّفّ الخامس أساسيّ من "مدرسة الظّفرة الخاصة" خلال مشاركتها في مسابقة التّعبير الكتابيّ على منصّة "كم كلمة" في العام الدّراسيّ 2023-2024.