ضجّةُ تبادلِ العقولِ

 
 
 
 

في مختبرِهِ السّرّيّ، صمّمَ العالِمُ العبقريُّ جِهازًا لِتبادُلِ العُقولِ بَيْنَ شخصيْن، أحدُهُما ذو عقليّةِ نموٍّ يُدْعى "باسل"، والآخرُ ذو عقليّةِ جُمودٍ يُدْعى "باسم". وَقرّرَ تجربةَ الجهازِ عليْهِما لِرؤيةِ كيفَ سيؤثِّرُ هَذا التّبادلُ في حياتيْهِما. ثمَّ حضرَ "باسلٌ وَ"باسمٌ" وَجَلَسا أمامَ الجهازِ بِحَذَر، وَراحا يَتبادَلانِ نَظراتٍ متوتِّرَةً مِمّا سَيَحْدُث. وَبعدَها بدأَتْ عمليّةُ التَّبادُل.


فجأةً أطلقَ الجهازُ أضواءً ساطعةً وَأصواتٍ غامضة، وَتوهّجَ المشهدُ بِألوانٍ غيرِ متوقَّعة. ثمَّ أغلقا عَيْنَيْهِما للحظات، وَعِنْدَما فَتَحاهُما أدركَ كلٌّ مِنْهُما أنَّهُ في جسمِ الآخر. فَـ"باسمٌ" المعتادُ عَلى الرّوتين، وَجَدَ نفسَهُ في جسمِ شخصٍ ذي عقليّةٍ ابْتكاريّةٍ منفتحةٍ عَلى التَّغْيير، بينَما أصبحَ "باسلٌ" فجأةً أسيرَ الجمودِ وَالتّحفُّظ.


وَمِنْ تلكَ اللَّحظة، بدأَتِ التَّجاربُ تتعاقبُ بشكلٍ مُضحِك. فَـ"باسلٌ" الَّذي كانَ يعتمدُ على عقليّتِهِ المرنةِ وجدَ نفسَهُ فجأةً غيرَ قادرٍ على اتِّخاذِ أيِّ قرارٍ بسيطٍ خارجَ إطارِ الرّوتين. كانَ يريدُ أنْ يجرّبَ شيئًا جديدًا كَتناولِ وجبةٍ مختلفةٍ أوِ اخْتيارِ مسارٍ جديدٍ للعمل، لكنَّهُ شعرَ بالتّوتُّرِ وَكأنَّ كلَّ خطوةٍ لمْ يُخطِّطْ لها ستكونُ كارثة. حتّى إنَّ اخْتيارَ نوعِ القهوةِ أصبحَ معضلة! أَقهوةٌ سوداءُ أمْ بِالحليب؟ لمْ يكنْ مُعتادًا عَلى التّفكيرِ مرّتيْنِ في هذهِ الأُمور، لكنَّهُ الآنَ مُضطرٌّ إِلى تَقييمِ كلِّ قرارٍ صغيرٍ بدقّةٍ مُتناهيَة.


في المُقابل، بدأَ "باسمٌ" يشعرُ بالحَيْرَةِ وَالإزعاجِ مِنْ تدفُّقِ الأَفكارِ المبدِعةِ الَّتي لا تتوقَّف. كانَتِ الأفكارُ تتدفَّقُ عليْهِ بشكلٍ غيرِ مُتوَقَّعٍ وَبسرعةٍ مُدْهِشَة، مثلَ صُنْعِ حذاءٍ يتحوّلُ إِلى مظلّةٍ عندَ هطولِ المطر، أَوْ برمجةِ روبوتٍ يقدِّمُ النّكاتِ حسبَ مزاجِ الشّخص… ثمَّ حاولَ تنظيمَ أفكارِهِ وَوَضْعَ خطّةٍ تنفيذيّةٍ واضحةٍ لكلِّ فكرة، لكنَّهُ فشلَ في السّيطرةِ عَلى الفَوْضى.


فقدْ كانَ مُعتادًا عَلى التَّركيزِ عَلى خطّةٍ واحدةٍ والتّمسّكِ بِها، بَيْنَما الآنَ باتَ عليْهِ التَّعاملُ معَ عددٍ هائلٍ منَ الِاحتمالاتِ الجديدة.

وَمَعَ تزايدِ هذهِ المواقف، واجَهَ "باسلٌ" وَ"باسمٌ" صعوبةً في التّأقلُم. فَقَدْ أصبحَ "باسلٌ" قلقًا منْ هذا البُطءِ والتّردّد، بَيْنَما شعرَ "باسمٌ" بِأنَّ عقلَهُ يتسابقُ بسرعةٍ لا يستطيعُ مُجاراتِها.


وَتَدْريجيًّا، بدأَ كلٌّ منْهُما يُدركُ أنَّ عليْهِ تقبُّلَ واقعِ العقليّةِ الجديدةِ واكتشافَ إيجابيّاتِها. فَـ"باسمٌ" بالرّغمِ منْ شعورِهِ بالضّيقِ في البِداية، تعلّمَ كيفَ يتركُ بعضَ الأمورِ تسيرُ منْ دونِ تخطيطٍ دَقيق، وَبَدَأَ يستمتعُ بِالمرونةِ وَالإِبداع. أمّا "باسلٌ" فَبدأَ يتعلّمُ أهمّيّةَ التّركيزِ والالتزامِ بِالنّظامِ لِتحويلِ أَفكارِهِ إِلى إِنْجازاتٍ ملموسَة.


وَبَعْدَ انْتِهاءِ التّجربة، عادَ كلاهُما إِلى جِسمَيْهِما، لَكِنَّهُما خرجا منْها بدرسٍ عميقٍ يُفيدُ بأنَّ توازنَ العقليّةِ بينَ الإبداعِ والنّظامِ هوَ مفتاحُ النَّجاح. فَالتّحدّياتُ الَّتي واجَهاها جعلَتْ كلاهُما يقدّرُ قوّةَ التّعاونِ بينَ الجمودِ والنّموّ، فَمَعًا يمكنُ لهاتيْنِ العقليّتيْنِ أنْ تُحقِّقا الابتكارَ والاستقرارَ في آنٍ واحِد. هَكَذا كانَتْ تجربتُهُما في تبادلِ العُقولِ مليئةً بالضّحكِ والتّعلّم، وَأدركا أنَّ أكثرَ العقولِ اخْتلافًا يُمكِنُ أنْ تستفيدَ منْ بعضِها بعضًا.


هذا النّصّ من تأليف التّلميذ "كمال سليم دبيسي" بإشراف المعلّم "أنس السّيّد" في الصّفّ العاشر أساسيّ من "المدرسة الأمريكيّة العالميّة" خلال مشاركته في مسابقة التّعبير الكتابيّ على منصّة "كم كلمة" في العام الدّراسيّ 2023-2024.






Previous
Previous

تَبادُلُ العُقول: رِحلةٌ نحوَ الابتكارِ وَالتّغيير

Next
Next

مَدْرَسَةُ الدَّهْشَة