العَقْلُ البَديلُ

 
 
 
 

في مدينةِ العجائب، حيثُ تتحقّقُ أغربُ الأفكارِ وَأكثرُها خيالًا، كانَ العالِمُ العبقريّ، الدّكتورُ "عصفور"، يستعدُّ لِإِطلاقِ اخْتراعِهِ الجَديد: آلةُ تبادلِ العُقول. كانَتْ فكرتُهُ الطّموحةُ تتمثّلُ في تمكينِ الأَشخاصِ منْ تبديلِ عقولِهِمْ معَ الآخرين، لكنَّهُ واجَهَ مشكلةً في إيجادِ متطوِّعٍ مستعدٍّ للمُشاركةِ في هذهِ التّجربةِ الغريبة؛ فَالجميعُ كانوا يخشَوْنَ أنْ يتحوّلوا إِلى مخلوقاتٍ غريبةٍ بسببِ ابتكارٍ قدْ يقلبُ عقولَهُمْ رأسًا عَلى عقب. وَفي سَعْيِهِ المُستمرِّ للحصولِ عَلى مُتطوِّعين، قامَ بِنشرِ إعلانٍ مُغْرٍ في الجريدةِ الأكثرِ انْتشارًا في المَدينة، عارِضًا مُكافأةً ماليّةً سخيّةً لأيِّ شخصٍ يقبلُ المُشاركةَ في التّجربة، لكنَّ مُحاوَلاتِهِ باءَتْ بِالفشلِ واحدةً تلوَ الأُخْرى.


وَفي لحظةِ يأْسٍ وَإِحْباط، خطرَتْ عَلى بالِهِ فكرةُ إقناعِ صديقِهِ المُقرَّبِ الدُّكتورِ "فرحان"، طَبيبِ الأسنانِ الرّصينِ وَالمحبوبِ في المَدينة. وَبعدَ جدلٍ طويلٍ وَمُحاولاتِ إِقناعٍ عَديدة، وافَقَ "فرحانُ" عَلى خَوْضِ هذهِ المُغامرةِ الغَريبة. لَكِنْ بَقيَتْ أمامَ الدّكتورِ "عصفورٍ" مشكلةُ إيجادِ الشّخصِ الثّاني الَّذي سَيتبادلُ عقلَهُ معَ "فرحان". وَبعدَ بحثٍ مُضْنٍ، قرّرَ أنْ يعرضَ الفكرةَ عَلى الطّفلِ المُشاغبِ "سرحان"، المَعروفِ بِتصرّفاتِهِ الطّائشة. وَلِدهشتِه، وافقَ عَلى المُشارَكةِ في التّجربةِ بِشرطٍ بَسيط، وَهوَ أنْ يحصلَ عَلى "سندويشِ شاورمةٍ" في المُقابل.


وَفي اليومِ الموعود، وقفَ الدّكتورُ "فرحانُ" بِتوتُّر، بينَما كانَ "سرحانُ" يتناولُ الشّاورمةَ بِفرح. ثمَّ سألَهُما الدّكتورُ "عصفورٌ" بِحماسة: "أَأَنْتُما مُستعدّان؟ أَعدُكُما أنَّكُما سَتُصبحانِ أشهرَ شخصَيْنِ في العالَم". ردَّ "فرحانُ" بِنبرةٍ جِدّيّة: "أَنا مُستعدٌّ يا صَديقي، وَلكنْ لا تنسَ أَنَّ هذهِ المغامرةَ قدْ تغيّرُ مجرى حياتي بِالكامل". أَمّا "سرحانُ" فقدْ كانَ أكثرَ اهتمامًا بِسندويشِهِ وَقال: "المغامرةُ الوحيدةُ الَّتي أبحثُ عنْها هيَ في مطعمِ "العمِّ كرومبو"!"


بعدَها، بدأَ الدّكتورُ "عصفورٌ" العدَّ التّنازليّ: "ثلاثة... اِثنان... واحد!"، وانْطلقتِ التّجربة. بعدَ أُسبوع، جلسَ الدّكتورُ "فرحانُ" في عيادتِه، لكنَّهُ لمْ يعدْ كَما كان. فقدْ كانَ يحملُ سندويشَ الشّاورمةِ في يدِه، وَيُمسكُ بِكُلّابِ الأسنانِ في يدِهِ الأُخرى. وَبينَما كانَ يستعدُّ لِعلاجِ مَريضِه، نظرَ إِلى الأدواتِ بِارتباك. فَأمسكَ فرشاةَ الأسنانِ بدلًا من الأدواتِ الطّبّيّةِ وَقالَ بِلهجةٍ واثقة: "لا تقلق، سنبدأُ بِتنظيفِ أسنانِكَ جيّدًا قبلَ أيِّ أمر!" نظر المريضُ إليْهِ بِذُهول، ثمَّ ضَحِكا معًا عندَما أدركا أنَّ الأمرَ مجرّدُ خطأ بريء. وَفي النّهاية، أتمَّ "فرحان" عملَهُ بِإتقانٍ وسطَ جوٍّ منَ الفكاهةِ وَالمرح.


وَلِهَذا السّبّب، قرّرَ الدُكتورُ "فرحان" مكافأةَ نفسِهِ على عملِهِ المُتقنِ والاحتفال، فَتوجَّهَ مُباشرةً إِلى مطعمِ "العمِّ كرومبو". وَعندَما دخلَ شاهدَ عَلى التّلفازِ لقاءً معَ الدّكتورِ "عصفورٍ" وَمَعَهُ طفلٌ يُدْعى "سرحان". وَهذا الطّفلُ وَصفَهُ الجميعُ بِالطّفلِ المُعْجِزَةِ بِفضلِ عقلِهِ الفذِّ الّذي يفوقُ عمرَه.



في تلكَ اللّحظة، أدركَ الدّكتورُ "فرحانُ" حجمَ المُفارَقَة. فَعَقْلاهُما قدْ تبدَّلا بِالفعل، وَالتَّجربةُ كانَتْ ناجِحَة، لكنَّ النّتائجَ كانَتْ غَريبة. فَقَدْ وجدَ "فرحانُ" نفسَهُ عالِقًا بينَ عقلِهِ الجادِّ المُحبِّ لِلْعِلْمِ وَعقلِ الطِّفلِ المُشاغب، بينَما تحوّلَ "سرحانُ" إِلى عبقريٍّ يُذهلُ الجميعَ بِإبداعِه. وَأَخيرًا، عادَ "فرحانُ" إِلى عيادتِهِ بِتفكيرٍ جديدٍ حولَ كيفيّةِ الموازنةِ بينَ عقليّتِهِ العلميَّةِ وَالفكاهيّة، وَحقيقةِ أنَّ المرونةَ وَالمغامرةَ ليسَتا ضعفًا، بلْ أحيانًا تَكونانِ سرَّ الابتكارِ وَالنُّموّ.

هذا النّصّ من تأليف التّلميذة "مريم محمد سليم" بإشراف المعلّم "محمود بدير " في الصّفّ الحادي عشر  أساسيّ من "مدرسة الحكمة الدّوليّة" خلال مشاركتها في مسابقة التّعبير الكتابيّ على منصّة "كم كلمة" في العام الدّراسيّ 2023-2024.






Previous
Previous

مُغامرةٌ في عُقولِ الأَصْدِقاء: بينَ الذّكاءِ والفكاهة

Next
Next

تَبادُلُ العُقول: رِحلةٌ نحوَ الابتكارِ وَالتّغيير