مَدْرَسَتي العَجيبَة
كانَتْ مَدْرَسَتي العَجيبَةُ مَليئَةً بِالأَحْداثِ الغَريبَةِ والمُفارَقاتِ العَجيبَة، وَبِخاصَّةٍ عِنْدَما يَكونُ يَوْمُنا الدِّراسيُّ موَزَّعًا بَيْنَ مُعَلِّمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ تَمامًا في أُسْلوبِهِما. فَالأَوَّلُ يُمَثِّلُ عَقْليَّةَ الجُمود، بِحَيْثُ تَكونُ حصّتُهُ مَشْحونَةً بِالضَّغْطِ والصَّرامَة، وَلا يُمْكِنُنا التَّنَفّسُ فيها بحرّيّةٍ أوِ التّعبيرُ عنْ آرائِنا وَمَشاعرِنا… والثّاني يَتَبَنّى عقليَّةَ النُّموّ، بِحَيْثُ تَكونُ الأجواءُ مختلفةً تمامًا؛ إِذْ يَسْتَقْبِلُنا بِحَماسَةٍ وَيجعلُنا نشعرُ بِأهمّيَّةِ وُجودِنا، وَفي حصصِهِ لا مَجالَ للخوفِ أوِ القَلَق، فَهيَ عبارَةٌ عنْ مرحٍ وَتعليمٍ مُبْتَكَرٍ يَجعلُ المعلوماتِ تترسّخُ في أذهانِنا. كانَ كلُّ يومٍ يشبهُ مُغامرة، حَيْثُ نعيشُ في صِراعٍ بينَ الرّوتينِ والابتكار.
وَفي أحدِ الأيّام، أعلنَتِ المدرسةُ عنْ مسابقةٍ للابتكارِ والإبداع، وَكانَ عَلى كلٍّ منّا أنْ يتبنّى معلّمًا للمساعدةِ والتّوجيه. فاحْترْتُ في اتّخاذِ قراري.
لكنَّني بعدَ ذلك، توّجهْتُ إلى معلّمِ عقليّةِ الجمودِ وَعرضْتُ عليْهِ أفكاري، فاستقبلَها ببرودٍ واقترحَ أفكارًا تقليديّةً لا علاقةَ لها بِالإبداع، وأشعرَني كأنَّني غيرُ قادرٍ عَلى الفوز، وَكانَ يُحبطُني ويطلبُ إليَّ الابتعادَ عنْ أيِّ أفكارٍ غريبة. ثمَّ توجّهْتُ إلى معلّمِ عقليّةِ النّموّ، وكانّ موقفُهُ مُغايرًا تمامًا. فقدِ استمعَ إلى أفكاري بحماسةٍ وأعطاني نصائحَ مُهمَّة، وَشجّعَني على استعمالِ الخيالِ والابتكار، وكانَ دائمًا يقولُ إنَّ الخيالَ يطوّرُ القدراتِ العقليّة، ودعمَني بكلِّ طاقتِه.
وَهنا، بدأَتْ تزدادُ حَيْرَتي أكثرَ فأكثر، وَلأساعدَ نفسي في اتّخاذِ القرارِ المناسبِ الَّذي يصبُّ في مَصْلَحَتي، رحْتُ أُقارنُ أسلوبَ المعلّمَيْنِ وَأرى الفرقَ بينَهُما. وَمنْ بينِ الاختلافاتِ وَالتّناقضاتِ الكثيرة، تذكّرْتُ موقفًا طريفًا عندما دخلْنا يومًا حصّةَ معلّمِ عقليّةِ النّموّ، وَكانَ قدْ وزّعَ عليْنا أوراقًا تحتوي على أسئلةٍ غريبةٍ مثل: "ما الألعابُ الَّتي تحبّونَ أنْ أستعملَها في طريقةِ الشّرح؟" فأجابَ آنذاكَ الجميعُ بحماسة، ثمَّ قرأَ إجاباتِنا وسطَ جوٍّ منَ المرح. بعدَها توجّهْنا إلى حصّةِ معلّمِ عقليّةِ الجمود، ووجدْنا أوراقًا على الطّاولاتِ أيضًا. كُنّا نتوقّعُ أسئلةً ممتعة، لكنَّنا صُدِمْنا عندَما صرخَ مُعْلِنًا عنِ امتحانٍ مُفاجئ.
وَفي يومِ المُسابقة، كانَ عليَّ أنْ أعرضَ مشروعي أمامَ لجنةِ التّحكيم. وَبفضلِ دعمِ معلّمِ عقليّةِ النّموِّ وَتوجيهاتِه، قدّمْتُ مشروعًا رائعًا حازَ على لقبِ "أفضلِ مشروع". ثمَّ نظرْتُ إلى معلّمِ عقليّةِ الجمودِ فَرأيْتُهُ ينظرُ إليَّ بغضب، لأنَّني لمْ ألتزمْ بتعليماتِهِ التّقليديَّة.
وَفي النّهاية، كانَ الفرقُ واضحًا بينَ المعلّمِ الَّذي يكسرُ الجمودَ منْ خلالِ الألغازِ والتّحدّياتِ الَّتي تحفّزُ التّفكير، والمعلّمِ المستمرِّ في أسلوبِهِ التّقليديِّ الصّارم. لِذا آملُ أنْ يزدادَ عددُ المعلّمينَ الّذينَ يتّبعونَ أسلوبَ معلّمِ عقليّةِ النّموّ، لأنَّهُ يعزّزُ فينا حبَّ التّعلّمِ والابتكار.
هذا النّصّ من تأليف التّلميذة "دارين علي" بإشراف المعلّم "أحمد جبلي" في الصّفّ السّابع أساسيّ من "مدرسة ديرة الدوليّة" خلال مشاركتها في مسابقة التّعبير الكتابيّ على منصّة "كم كلمة" في العام الدّراسيّ 2023-2024.